دروس على مدار الأسبوع

http://go.ad2up.com/afu.php?id=821930

السوسيولوجي

إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الجمعة، 14 أكتوبر 2016

مدخل الى المؤسسات الإجتماعية

   المؤسسات الإجتماعية 

تعرف المؤسسة الاجتماعية بانها نظام مركب من المعايير الاجتماعية المتكاملة المنظمة من اجل المحافظة على قيمة اجتماعية اساسية. ولا ينظر علماء الاجتماع الى مفهوم المؤسسة الاجتماعية بنفس النظرة التي يتخذها العوام غير المتخصصين الذين يطلقون خذا المصطلح على السجون ومعاهد الاصلاح ودور التربية الاجتماعية والكنائس والمساجد والمنظمات الترفيهية… وهكذا يستخدم علماء الاجتماع مصطلح المؤسسات الاجتماعية ليصفوا النظم المعيارية التي تحدد السلوك الاجتماعي في خمسة مجالات حياتية اساسية. يطلق على هذه المجالات المؤسسات الاجتماعية الاساسية وهي: نظام القرابة او الاسرة, مجال السلطة والقوة الشرعية والنفوذ وهو مجال السياسة, مجال الانتاج وتوزيع السلع و الخدمات وهو المجال الاقتصادي, مجال نقل المعرفة من جيل الى اخر وهو التعليم, واخيرا مجال تنظيم العلاقة مع عالم الميتافيزيقا او عالم ما وراء الطبيعة وهو المجال الديني. وبصورة مختصرة تسمى المؤسسات الاجتماعية الاسرة والحكومة والاقتصاد والتعليم والدين.
وتتواجد هذه المؤسسات الاجتماعية الخمس في جميع المجتمعات والجماعات الانسانية, وان كانت لا تتواجد دائما بصورة واضحة ومستقلة تماما عن بعضها البعض كما هو الحال في المجتمعات المتقدمة. ففي المجتمعات البسيطة كانت تؤدي معظم هذه المؤسسات داخل نطاق مؤسسه هي الاسرة . وتشير عالمية هذه المؤسسات الى انها عميقة الانغراس في الطبيعة البشرية, كما انه لا يمكن الاستغناء عنها لما تقوم به من وظائف ضرورية للنمو والتنمية والمحافظة على النظام والاستقرار الاجتماعي. ولذلك يكمن ان نعرف المؤسسة الاجتماعية بتعبير اخر بانها نظام معياري يحقق الحاجات الانسانية الاساسية من خلال تصميم نظام معياري يربط الفرد بالثقافة الاكبر, ويقوم بتحديد القيم الاجتماعية الاساسية كحقوق الانسان والديمقراطية, كما يحدد ايضا الادوار الاجتماعية وتوقعاتها مثل دور الزوج و الزوجة . وتقوم هذه المؤسسات بوظائف حيوية وضرورية لاستقرار المجتمع وبقائه وفعاليته.
ومن اكثر مفاهيم المؤسسة الاجتماعية شيوعا مفهوم “جوناثان تيرنر” الذي ينص على أنها “مركب أو نظام من المراكز والادوار الاجتماعية الكائنة بيانات اجتماعية خاصة وتقوم بتنظيم انماط من الانشطة الانسانية الثابتة نسبيا والمرتبطة بالمشاكل الاساسية الخاصة باستدامة واستمرار البنيات الاجتماعية الحيوية في اطار بيئة معينة”. (1)
ويجب التمييز بين المؤسسات الاجتماعية والاشكال الابسط من الكيانات الاجتماعية مثل الاعراف و المواثيق و المعايير الاجتماعية والادوار الاجتماعية او الشعائر او الطقوس اذ هذه جميعا ما هي الا مكونات تدخل في بناء المؤسسة الاجتماعية. كما يجب التمييز ايضا بين المؤسسات الاجتماعية والكيانات الاكثر تعقيدا مثل المجتمعات والثقافات التي تكون المؤسسات الاجتماعية جزءا منها.
كما يجب التمييز بين مصطلحات ثلاثة متداخلو فيما بينها ومرتبطة ببعضها ارتباطا عضويا، الا وهي التنظيم الاجتماعي والمنظمة الاجتماعية والمؤسسة الاجتماعية. فالتنظيم الاجتماعي هو عملية تصميم الحياة الانسانية في مجتمع معين بما يشملهذلك من وضع قيم واهداف ورغبات عليا يهدف المجتمع لتحقيقها ثم تحديد الوسائل اللازمة لتحقيقها ثم تشكيل انماط سلوكية اجتماعية ثابتة نسبيا تحدد الادوارو العلاقات الاجتماعية التي تسعى لتحقيق اعلى درجات الفعالية الهدفية والكفاءة الانتاجية في ظل بيئة خارجية متفاعلة مع هذا التنظيم.
ومن ثم يمكن القول بأن التنظيم الاجتماعي هو تكنولوجيا العمل الجمعي، وعلى ذلك فهو يمثل الاطار الاشمل لكل من المنظمات والمؤسسة الاجتماعية. اما المؤسسة الاجتماعية فهي تمثل المركب المعياري و القانوني و العرفي و الطقوسي الذي يضبط السلوك الاجتماعي لتحقيق الغايات المجتمعية التي ينص عليها التنظيم الاجتماعي. وتكون المنظمات الاجتماعية بذلك كيانات بنائية محددة الاهداف و العضوية و الادوار الاجتماعية او بعض مكوناتها المرتبطة بالنشاط المباشر للمنظمة.وتكون المنظمة الاجتماعية اقرب الكيانات الاجتماعية لكونها كيانات محسوسة مرئية، ويعمل فيها افراد اعضاء يشغلون ادوارها الاجتماعية. الا ان ريتشارد سكوت قد رأى في كتابه ” المؤسسات و المنظمات “، ان المؤسسات غالبا ما تكون منظمات، كما ان كثيرا من المؤسسات تتكون من منظم من المنظمات، فعلى سبيل المثال تعتبر الرأسمالية نوعا خاصا من المؤسسة الاقتصادية تتواجد في المجتمعات الحديثة في صورة اشكال محددة من المنظمات التي من بينها الشركات المتعددة الجنسية وعابرة للقارات المنظمة في صورة نظام محدد. هذا بالإضافة الى ان بعض المؤسسات تعتبر خلفية، بمعنى أنها مؤسسات في حقيقة امرها هي منظمات تنظم مؤسسات اخرى. فالحكومة مثلا عبارة عن مؤسسة خلفية تتحقق اهدافها من خلال القيام بتنظيم مؤسسات اخرى سواء مؤسسات فردية او جماعية، و من ثم تقوم الحكومة بالتنسيق بين النظم الاقتصادية و النظم التعليمية والشرطة و القوات المسلحة وغيرها من خلال التشريعات والقوانين الاجبارية.
ومن ناحية اخرى نرى ان بعض المؤسسات ليست منظمات او نظم من المنظمات كما لا تتطلب منظمات على الاطلاق. فعلى سبيل المثال يعتقد ان اللغة العربية مثلا مؤسسة و ليست منظمة. وتتسم المؤسسات الاجتماعية بسماحها لقدر كبير من الارادة الحرة للفرد في ادائه لدوره الاجتماعي تبعا للمؤسسة التي تشمل هذا الدور، وذلك لان المعايير و القواعد و الغايات لا يمكنها ان تغطي التفاصيل الخاصة بأداء الدور الاجتماعي في ظل المفاجآت التي يمكن ان تحدث بصورة غير متوقعة بالإضافة الى الظروف المتباينة و المشاكل التي تجعل من تطبيق الارادة الحرة للأفراد الفاعلين لأدوارهم ميزة لتحقيق الكفاءة و المنطقية و العقلانية لدرجة انه قد ينشئ الفرد قواعد جديدة تماما تحت هذه الظروف.
و بالرغم من توافر الارادة الحرة للأفراد على جميع المستويات الوظيفية و المهنية الا انه يمكن لهذه الارادة ان تختلف تبعا لظروف متعددة، فالتاجر مثلا اكثر حرية من الموظف.
ومن اهم ما تتسم به المؤسسة الاجتماعية العدالة ، فالأسرة و التعليم و الحكومة واقتصاديات السوق ونظم الاجور و النظم القضائية و السجون وغير ذلك كله تقيم بين معايير اخرى تبعا لتوافقها مع اسس العدالة. ويتعرض القائمون بالأدوار الاجتماعية في المؤسسات الاجتماعية للعدالة التوزيعية نظرا لانهم يستقبلون المنافع ويقدمونها مثل الاجور و السلع الاستهلاكية، كما انهم يتحملون اعباء المسؤوليات معينة. و بالإضافة الى ذلك فان بعض المؤسسات وخاصة الحكومة تتمثل غايتها النهائية المؤسسات الاجتماعية.
المؤسسة الحكومية ( السياسية):
“لقد تساءل “توماس هوبس” في كتابه ” الطاغية او الدكتاتور ” عن دور الدولة ومدى تدخلها في حياة المواطنين ومدى التزام المواطنين بالطاعة تجاهها. وقد ادت به هذه التساؤلات الى الوصول الى مفهوم الدولة التعاقدية. اما اليوم فالسائد هو مفهوم الدولة الدستورية ولكنه مفهوم له سابقات تاريخية.
ان المعيار الاساسي اليوم للدولة الناجحة هو اقامة العدالة من خلال القانون الرسمي المكتوب، ويسود في هذا العصر، عصر الديمقراطيات الرأسمالية الحرة معيار حرية الانسان وحقوقه كدليل على دستورية الدولة و شرعيتها. فبدخول اوروبا عصر التنوير اصبحت الحرية هي عنوان الحياة واتخذت مفهوما فلسفيا جديدا، وكانت ديمقراطية عصر التنوير بسيطة ومقبولة لأنه لم يكن يدور بخلد احد حينئذ نشأة البيروقراطية في عصر الصناعة الحديثة. فأصبحت البيروقراطية حتمية اليوم في ظل سيادة الاسواق الاقتصادية العالمية، والتكنولوجيا الحديثة واساليب الانتقال العصرية، والاعداد السكانية الهائلة في عالم اليوم. ومن ثمة اصبحت مهمة الدولة ودورها اليوم في غاية التعقيد امام وجود هذه البيروقراطيات الضخمة التي يمكن ان تكون منافسا للدولة نفسها.
   ان الانسان مخلوق اجتماعي، فهو يعيش في جماعات على موارد طبيعية معينة سواء كانت الارض او الحياة او الهواء، فلو ترك كل فرد يستغل الارض مثلا كيفما شاء تبعا لمصلحته ومنفعته الخاصة دون تكلفة يتحمل هو عبئها لحدثت كارثة الاستتراف لذلك المورد ومن ثمة فلن يضر نفسه فقط ولكنه سوف يشمل الضرر جميع بني جنسه من البشر. ومن هنا كانت ضرورة الحكومة لتنظيم استغلال الموارد استغلالا عادلا وحميدا.
ومن ضرورات الحكومة اختيار القيادات الصالحة، فالقائد يحدد بطبيعة شخصيته وقدراته القيادية كمدى حسن استغلال الموارد الطبيعية والمادية و البشرية… كما يحدد مقدار العدالة التوزيعية ايضا بين المقودين. ومن الضرورات التي اقتضت وجود الحكومة ايضا قدرة الموارد الطبيعية مع الزيادة السكانية.
ولاشك ان الحكومة كأحد المؤسسات المجتمعية الاساسية الخمس، هي رأس الحركة المجتمعية في كافة المجتمعات الانسانية، وعلى الاخص في المجتمعات النامية، وعلى اخص الاخص المتخلفة.فالمهمة الاساسية للحكومة ان تبعث الحياة في الشعب، وتتخلى عن مركزيتها الطاغية برشد وحساب، تخليه تدريجيا من جانبها، وتخليه واعية من جانب الشعب. ان الفاظا مثل المشاركة الشعبية، الجهود الذاتية، المجتمع المدني، الديمقراطية… لا تتعدى اليوم مجرد شعارات ترفع.
وتتمثل المهمة الثانية للدولة في حماية المجتمع من الظلم و الفساد، كالفساد السياسي، الفساد المرتبط بالصفقات التجارية الضخمة، حماية المجتمع من حكم الهباء و القيادات المسطحة، واصلاح البيروقراطيات، حيث يجب ان تدرك الحكومة جوانب العجز البنائي والوظيفي للبيروقراطيات، وضرورة قيامها بحماية المجتمع و ضرورة التوجه نحو اللامركزية وتنظيمات الحجم الصغير”.(2)
   ان المهمة الاصلية للحكومة هي بعث الحياة في الشعب، وتفجير طاقاته، واستغلال امكانياته والعمل بالجماهير من اجل مصلحة الجماهير، فالحكومة الحية القديرة هي التي لا تستفرق اجهزتها في تنفيذ العمل الوطني، والتي لا تنفرد بالتنمية في جميع ابعادها القضائية و التشريعية و التنفيذية.
وانما تلك التي تشترك مع الجماهير، وتعبر عنها في وضع تصميم لحياة المجتمع، وفي وضع سياساته وخططه التنموية، ثم القيام بدور محدود في تنفيذ هذه الخطط، وهو ما يمكن ان يسمى بالدور المساعد اي جزء المنشط او المشجع الاعلى كفاءة واقوى فعالية لأدوار الجماهير نفسها، تلك الجماهير التي يجب ان تقوم هي بالجزء الاعظم من الجهود التنموية. ذلك الدور الذي يقتصر على توفير البيئة و المناخ الممكنين و المشجعين على معظم العوائد من جهة، وطاقات الجماهير الانتاجية والابداعية من جهة اخرى.
   ومن ثم يجب ان يقتصر دور الحكومة في التنمية على كل ما يخص الدولة كدولة، وليست كمناطق ادارية او هيئات او منظماتوجمعيات او افراد، وذلك من مهام و اعمال تعود عوائدها على الدولة و المواطنين اجمعين دون تمييز بينهم، مثل السياسة الخارجية، الدفاع، الامن الداخلي، البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، والصناعات المدنية و العسكرية الاستراتيجية المختلفة، وذلك بالدرجة الاولى، ثم التمويل، الاعلام، الثقافة، التعليم والصحة بالدرجة الثانية.
المؤسسة الاسرية:
عرفت الأسرة بالمؤسسة الاجتماعية التي تنشأ من اقتران رجل وامرأة بعقد يرمي إلى إنشاء اللبنة التي تساهم في بناء المجتمع، وأهم أركانها الزوج، والزوجة، والأولاد. وليس من شك في أنه كان و ما يزال لها الأثر الذاتي والتكوين النفسي في تقويم السلوك الفردي، وبعث الحياة والطمأنينة في نفس الفرد، فمن خلالها يتعلم اللغة ويكتسب بعض القيم والاتجاهات، وقد ساهمت الأسرة بطريقة مباشرة في بناء الحضارة الإنسانية، وإقامة العلاقات التضامنية بين الناس، ولها يرجع الفضل في تعلمهم لأصول الاجتماع، وقواعد الآداب والأخلاق، كما أنها السبب في حفظ كثير من الحرف والصناعات التي توارثها الأبناء عن آبائهم. فهي عالمية أي موجودة في كل المجتمعات الإنسانية وان اختلفت أشكالها كما هو متعارف عليه في أدبياتالانثروبولوجيا. كما أن ظهور علم الاجتماع الأسري ساعد على جعل الأسرة موضوعا خاصا ، موضحا كل وظائفها وأدوارها. كما ساهمت النظريات الاجتماعية التي تناولت الموضوع في تحليل وإغناء موضوع الأسرة.
ويجمع كافة العلماء و الباحثين على أن الأسرة هي أقدم المؤسسات الإنسانية و أكثرها شيوعاً. و يذهب البعض منهم إلى اعتبارها السبب المباشر في الحفاظ على الجنس البشري و الإبقاء عليه حتى الآن. فلقد ظلت الأسرة التنظيم الأهم الذي ينشأ فيه معظم الناس و عند مرحلة معينة ينفصل البالغون عن الأسرة ليكونوا أسرهم الخاصة. لكن ما يختلفون حوله هو تحديد تعريف جامع و وحيد للأسرة , نتيجة اختلاف المدارس و الاتجاهات التي ينتمون إليها . فمنهم من اعتبرها الجماعة الإنسانية التنظيمية المكلفة بواجب استقرار وتطور المجتمع. و منهم من عرفها بأنها الخلية الأساسية في المجتمع وأهم جماعاته الأولية التي تتكون من افراد تربط بينهم صلة القرابة و الرحم و تساهم في النشاط الاجتماعي في كل جوانبه المادية و العقائدية و الاقتصادية… ” وكما يعرفها كل من بيرجس ولوك في كتابهما “الأسرة” 1953 بأنهامجموعة من الأفراد يربطهم الزواج والدم أو التبني يؤلفون بيتا واحدا ويتفاعلون سويا ولكل دوره المحدد
مكونين ثقافة مشتركة. وهذا ينطبق على ما يعرف بالأسرة النووية. حسب جيري لي في كتابه ” البناء الأسري والتفاعل” حيث عرف الأسرة- والتي اعتبرها عالمية –بأنها ” تجمع إنساني عالمي وهي إما أن تكون على الشكل السائد الوحيد للعائلة وإما أن تكون كالوحدة الأساسية بوصفها جماعة فتتميز وظيفيا بشكل واضح وتتركب منها أشكال من العائلات أكثر تعقيدا وهي توجد في كل المجموعات المعروفة”.(3)
و تعرفها سناء الخولي في كتابها ” الأسرة في عالم متغير” ” بأنها ليست وحدة اجتماعية بسيطة , و إنما نظام مركب و معقد , و هي تنظيم له بناؤه و وظائفه, و له أهدافه و ديناميته , و من ثمة تؤثر و تتأثر بالمناخ الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي المتغير”.(4) من خلال التعاريف السابقة يمكن أن نقول أن الأسرة عبارة عن جماعة إنسانية تنظيمية مكلفة بواجب استقرار وتطور المجتمع عبر التأثير في نمو الافراد واخلاقهم منذ المراحل الأولى من العمر. وحتى يستقل الإنسان بشخصيته ويصبح مسؤولا عن نفسه وعضوا فعالا في المجتمع. كما تمارس وظائف مختلفة باختلاف المراحل الزمنية، والعصور التي تعاقبت عليها، وتختلف كذلك باختلاف البيئة الطبيعية والاجتماعية التي عاشت فيها. إن استقراءنا لعلم الإجتماعو الأنتربولوجيا في دراستهما للنسق الأسري داخل المجتمع يحيلنا إلى خلاصة مفادها أنه من الصعب الحديث عن وظيفة تخص حياة الفرد أو عمله لم تدخل في نطاق و مسؤولية الأسرة , مما يعني أن الأسرة كانت تمارس أدوارا عدة تواجه بها متطلبات العيش و الضبط الاجتماعي. فلقد تعددت وظائف الأسرة و اختلفت من حضارة إلى أخرى غير أنها ظلت في جميع المجتمعات تمثل الوسط الذي يتم فيه إنجاب الأولاد و يوفر لهم الحماية و الأمن و يعلمهم عادات مجتمعهم و تقاليده بما يمكنهم من التأقلم معه و تقبل ما فيه من أفكار و ثقافة. و للأسرة دور اقتصادي هام حيث توفر الدعم الاقتصادي لأفرادها من خلال وظائف أو أعمال يمارسها بعضهم و يتم تقاسم العائد منها مع أفراد الأسرة من غير المنتجين. وقد لعبت الاسرة القروية و البدوية القديمة دور المحرك الإقتصادي الذي يمد الحضر بمتطلبات العيش و عملت على تسويق منتجاتها. بينما كانت الأسرة الحضرية مستهلكة اكثر من كونها وحدة منتجة. لكن خلال تعرض المجتمع إبان منتصف القرن التاسع عشر للتغيرات الهامة التي برزت نتيجة التقدم العلمي و التكنولوجي, و تحول المجتمع من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي أفرز أنماطا جديدة لطرق و مستلزمات العيش, لم تعد الأسرة القروية تحقق اكتفاءها الذاتي اقتصاديا , حيث غزتها الخصائص الحضرية و شرعت تعتمد على المدن في متطلبات عيشها و تسويق المنتجات التي انحصرت في تربية الدواجن و صناعة الألبان. بينما أصبحت الأسرة الحضرية تمارس وظيفة الإنتاج المتعدد التخصصات و في نفس الوقت تستهلك كل ما يتناسب و طبيعة حياتها الحضرية. و عموما, يمكن القول أن الأسرة باختلاف أشكالها تشكل وحدة متكاملة وظيفيا تساهم في البناء الاقتصادي من خلال وظيفتي الإنتاج و الاستهلاك.
كما تشرف الأسرة على تربية أطفالها تربية صحيحة في ظل التعاليم الأخلاقية الفاضلة، والتي تساعد على دعم المجتمع باللبنات الصالحة التي تساهم في بناءه، والصعود به إلى مراقي الكمال. وقد أكد علماء الاجتماع على ضرورة ذلك وأكدوا أن الأسرة مسؤولة عن عمليات التنشئة الاجتماعية التي يتعلم الطفل من خلالها خبرات الثقافة، وقواعدها في صورة تؤهله فيما بعد لمزيد من الاكتساب، وتمكنه من المشاركة التفاعلية مع غيره من أعضاء المجتمع. و ذلك بأن تشيع في البيت الاستقرار، والود والطمأنينة، وإن تبعد عنه جميع ألوان العنف والكراهية، والبغض، فإن أغلب الأطفال المنحرفين والذين تعودوا على الإجرام في كبرهم، كان مرد ذلك عدم الاستقرار العائلي الذي آلت له أسرهم. ومن المعلوم أن الأسرة تشكل الحقل الأول و الأساسي الذي من خلاله يلقن الآباء الابناء العديد من القيم و التعلمات , بالإشراف على تعليم أطفالهم و متابعتهم في المذاكرة و الواجبات المنزلية . فعلى الرغم من نشوء المؤسسات التعليمية في العالم، إلاّ أن الأسرة تبقى هي المعلم الأول لمن تنجبه من الأبناء. بل إن تقدم أو تأخر الأطفال في التحصيل له علاقة وطيدة بالوقت الذي يقضونه مع أطفالهم. فكلما منحوا وقتا اطول لأبنائهم في مساعدتهم على التمدرس و التعلم كلما أتت النتائج إيجابية. اذن يمكن القول بان الأسرة في الماضي كانت وحدة اقتصادية مكتفية ذاتيا تقوم باستهلاك ما تنتجه, وباستمرار التغير والتطور في كافة المجتمعات تقلصت وظائف الأسرة بل فقدتها في بعض الأحيان وظهرت المؤسسات والتنظيمات المختلفة كبديل عنها, مما يؤثر تأثيرا أساسيا في طبيعتها و مكانتها في الوجودالإجتماعي، ومع ذلك ما تزال الأسرة تحتفظ ببعض الوظائف.
المؤسسة الدينية:
الدين عبارة عن انماط من العقائد معرفة تعريفا اجتماعيا، وتتعلق بالمعنى و الغاية النهائية من الحياة مؤكدة على وجود عالم ما وراء الطبيعة. ولا يشغل العلماء الاجتماعيون بالهم بوجود الله او عدم وجوده، كما لا يشغلون بوجود مخلوقات او كائنات اخرى في عالم ما وراء الطبيعة، ولكنهم يركزون على الكيفية التي تؤثر بها العقائد الخاصة بما وراء الطبيعة على السلوك الانساني وعلى العلاقات الاجتماعية وعلى البيانات الاجتماعية. وقد اعتقد العلماء الاجتماعيون في الماضي ان الدين سوف يزول نهائيا من المجتمع الحديث او المجتمع الدنيوي او المدني، الا ان هذا لم يحدث، بل حدث العكس من ذلك، حيث نرى حركات لإحياء الدين وذلك بسبب عاملين رئيسين: حرية الاختيار الديني حيث لا توجد ديانة رسمية للدولة ولا يوجد هناك حث على توجه الجميع نحو ديانة معينة. ومن ثم يجد الاشخاص الحرية الكاملة لتسويق أي ديانة يرون ان المجتمع في حاجة اليها. اما العامل الثاني فهو تعدد المنظمات و الهيئات المتنافسة والتي تسوق لعقائدهم وافكارهم، حيث يلاحظ ذلك من مجرد فحص دليل التلفونات في أي مدينة امريكية مثلا لتذهل بعدد المنظمات الدينية وعدد الكنائس المتجاورة والتي بعضها كاثوليك والاخر ميثودست او وأرثوذوكس…
وتلعب المؤسسات الدينية في كل مجتمع الدور الرئيسي والاساسي في تربية وتعليم الانسان وذلك لان التدين ضرورة إنسانية ولا يمكن ان تجد مجتمعا يخلو من هذه الظاهرة مهما كان نوعها أو دورها. ولعل من أهم وظائف هذا النوع من المؤسسات هو مساعدة الإنسان على تلبية رغباته وحاجاته النفسية والروحية ومساعدته على إيجاد الإجابة عن الأسئلة الفلسفية العديدة التي من أهمها “ما هو الانسان؟” و “ما معنى الحياة؟” و “لماذا وجد هذا الانسان على هذه الارض؟” ولعل خير مثال على هذا النوع من المؤسسات في مجتمعنا المغربي هو المساجد والزوايا والمراكز والمدارس والمعاهد الاسلامية.
   يؤدي الدين وظائف متعددة سواء للفرد او للمجتمع، اذ ان الدين مرتبط بالمجتمع بصورة قوية ومتشابكة. لقد لخذت هذه العلاقة انماط واشكال مختلفة يمكن حصرها في اتجاهين: الاتجاه الاول ينظر الى الدين كعامل تكامل وحفاظ على الواقع الاجتماعي، واما الاتجاه الثاني فينظر الى الدين باعتباره عامل تجديد وتغيير اجتماعي. وفي الاتجاهين تكون النظرة ايجابية او سلبية وفقا لأيديولوجية الفرد.
فالدين كعامل تكامل اجتماعي عبر عن هذا المنهج “اميل دوركهايم”، الذي يرى في اصل الدين ومنشاة في الاسقاط لحاجة اجتماعية بغية حماية الجماعة، وبذلك يكون الدين ضمير الجماعة. وتصبح وظيفته المحافظة على وحدة الجماعة، مؤمنا تكاملها وانسجامها. ونجذ عند كارل ماركس الذي حدد بنظريته التي تعتبر القاعدة الاقتصادية اساس المجتمع والتي يقوم عليها البناء الفوقي الذي يشتمل على جميع ظواهر الحياة الاجتماعية، مثل الدولة، الاخلاق، الفن… والدين هو احد اجزاء البناء العلوي. وفي مجال الدين يسقط الانسان ظروفه في العبودية التي يعاني منها في المجال الاقتصادي، أي في عمله، وفي انتاج الخيرات المادية. وبهذا فالدين هو بناء قومي وثانوي وليس اصيلا ويستخدم في الحفاظ على المجتمع الرأسمالي والعلاقات الاستقلالية. أي ان الدين وسيلة ايدولوجية تستخدمها الطبقة الحاكمة للحفاظ على سلطتها.
اما الدين كعامل تجديد وتغيير اجتماعي، في هذا الاتجاه يتعامل المجتمع مع الدين على انه متغير مستقل وعامل تجديد وتغيير وابداع في المجتمع، ومن اهم العلماء الذين درسوا هذه الظاهرة ماكس ويبر وينجر. فالأخلاق الدينية تبعث الدوافع لجهد الانسان في العالم، ويكون نجاحه في المجال الاقتصادي علامة للرضى الالهي، مما انشا الروح الرأسمالية.
   كما ان الدين له دور يكمن في التنشئة الدينية التي يشارك بها بشكل مباشر. وتشمل عملية التنشئة الدينية عدة مؤسسات مختلفة، واهمها الاسرة، المدرسة، والمنظمات الدينية الخاصة. وتقوم المؤسسة الدينية بدورها من خلال تجديد الطرح الديني التي يجب ان تكون في اساسها تربوية أي ان تشمل على معلومات من الواقع الديني وعلى القيم الانسانية. فالتنشئة الدينية تلعب دورا بتعليم ابعاد الدين الحقيقية التي تتعلق بتحسين الحياة الانسانية والارتقاء نحو انسانية مسؤولة وفاعلة من اجل الخير.
المؤسسة التعليمية:
تمثل المؤسسة التعليمية بعد المؤسسة الاسرية الوسيلة الرئيسية التي من خلالها تنتقل المهارات وتوقعات الادوار الاجتماعية ومعايير السلوك من الانتقال من جيل الى ما يليه. كما نتعلم من خلال المؤسسة التعليمية شيئا عن هويتنا ومدنيتنا، كما توفر ايضا الاساس القاعدي لتعلم مهارات العمل. ومن الاهداف الرئيسية للمؤسسة التعليمية:                                                                                            غرس القيم الاجتماعية والمعايير السلوكية: حيث تقوم وزارة التعليم بتحديد القيم والمعايير المراد غرسها في شخصية التلاميذ دون الرجوع الى المجتمع المحلي ورؤيته. ولذلك فكثيرا ما يختلف الناس مع ما يدرس بالمدارس من هذا المنظور، ومن الامثلة الصارخة تعليم الثقافة الجنسية في المدارس. كما تقوم المؤسسة التعليمية بتعليم التلاميذ القوانين والمسؤولية المدنية وكيفية عمل الحكومة ولو بطريقة تجريدية مثالية، وتقوم دراسة التاريخ بالكثير من هذه المهمة حيث تتعلم النماذج البشرية من خلال قياداتنا العظمى السابقين و الحاليين.
– تعزيز وتنمية التراث الثقافي: بجانب قيام المكتبات و المدارس والمدرسين بنقل القيم والتراث الوطني الى التلاميذ تقوم الجامعات بصفة خاصة بالحفاظ على القديم التي تدعه اهمية خاصة. فبدراسة المئات من الاشعار والقصائد والافكار و النظريات الخاصة بعلماء وحكماء قد ماتوا منذ القديم، فهؤلاء الناس قد تركوا تراثا انسانيا ذا اهمية بالغة سيدوم طيلة حياة الانسان. هذا وتقوم الجامعات و المدارس بتنمية التراث والاضافة عليه من خلال البحث العلمي بمختلف اشكاله وانواعه، واصبحت هذه الاضافة الى العلم والتراث معيارا وضرورة للحياة. والمؤسسة التعليمية تتخذ مهمة البحث العلمي التجريدي الذي تبنى عليه المعارف التكنولوجية وتندفع به الى افاق غير محدودة.
– تأهيل الخريجين لسوق العمل: كان التعليم في الماضي متواكبا تماما مع متطلبات سوق العمالة، الا ان التغيرات الاقتصادية السريعة تفوقت على سرعة تطور المناهج و البرامج و الادوات التعليمية بالإضافة الى فلسفة التعليم نفسها، فاصبح التعليم ينتقد بشدة، لأنه منفصل عن متطلبات العمالة، وكانه اصبح تكلفة دون عائد ومجرد شهادة يتزين بها الوضع الاجتماعي للخريج مما يساعده على الحراك الاجتماعي. فكثيرا ما يقال ان التعليم الالماني او الروسي او الياباني افضل من نظم التعليم لدينا لأنه مكن هذه الدول من انتاج سيارات او صواريخ وتكنولوجيا غاية في التقدم.
فالتعليم يمثل بمختلف مدارسه ومستوياته اداة لمجالسة الاطفال ورعايتهم، كما يقلل من مستوى البطالة، بالإضافة الى انه يمثل سوقا للاختيار الزواجي. ويساعد على التعليم من خلال طول مدة التمدرس في الحفاظ على الشباب خارج قوة العمل، ومن ثم تقليل مدة البطالة.
وبالرجوع إلى التاريخ، نجد أن المؤسسة التعليمية ارتبطت في نشأتها بالحاجيات التي أصبحت تفرضها تطورات المجتمع الإنساني، خاصة عندما انتقل من مجتمع بدائي قبلي إلى مجتمع التنظيم والفكر العقلاني. حيث لم يعد مقبولا ولا ممكنا اعتماد الأساليب التربوية التقليدية وترك الطفل يتربى عن طريق الاحتكاك بعالم الراشدين، مما تطلب إيجاد المؤسسة التعليمية، والتي سمحت لفئة «متخصصة» من الراشدين بتقديم خدمات لزبنائها قصد إعدادهم للتكيف مع البيئة الاجتماعية التي يوجدون فيها واستيعاب العناصر والأشياء والأحداث التي توفرها هذه البيئة. وبظهور المؤسسة التعليمية وانتشارها على نطاق واسع، أصبحت من أكثر المواضيع إثارة للجدل والتساؤل المستمر على مستويات متعددة، من أبرزها علاقة هذه المؤسسة بالمجتمع، أسس هذه العلاقة، ميكانيزماتها، آلياتها، آفاقها، إكراهاتها… ويعتبر ديوي ” أن المؤسسة التعليمية الحديثة تهيئ شروط ومناخ التقدم الاجتماعي، من خلال تكوين وتأهيل الأجيال الناشئة، وتفتح المجال أمامهم لبورة مشاريعهم الشخصية، سواء كانت مدرسية أو مهنية أو حياتية” (5). ويجد هذا الموقف تبريرا له في التجارب التعليمية التنموية المتعددة التي عرفتها العديد من البلدان، كدول شرق آسيا ودول شرق أوربا… التي اعتمدت بالدرجة الأولى على المؤسسات التعليمية في تأهيل الرأسمال البشري، عبر خلق الإنسان الفاعل والمبدع في عمليات التنمية والتحديث الاجتماعيين.
في مقابل هذا الاتجاه، يبرز اتجاه معاكس ساد في فترة السبعينيات لدى عدد من علماء الاجتماع الذين ينكرون قدرة المدرسة على إحداث التغيير، وعلى رأس هؤلاء نجد كلا من “باسرون” و”بيير بورديو”و”استبليت” يرى هؤلاء أن المدرسة في إطار التنشئة الاجتماعية، تعمل على إعادة  توليد المجتمع من خلال معاودة إنتاج نفس النمط الاجتماعي السائد بعلاقاته ونخبه وتراتبيته، وهي بذلك تسمح للمجتمع بالمحافظة على بنياته وتضفي الشرعية على تمايزاته، ولا سبيل، في نظرهم، لإصلاح المدرسة إلا عن طريق إحداث تغيير في بنيات المجتمع.
 وبهذافالمؤسسة التعليمية تبقى من أهم وظائفها تحقيق التقدم الاجتماعي، فحتى أولئك الذين يعتبرونها محافظة لا يرفضون وظيفتها التطويرية من خلال هامش الحرية الذي تتوفر عليه، بل إن تركيزهم على الطابع المحافظ للمؤسسة يأتي في إطار نقدي يهدف إلى تحليل ميكانيزمات وآليات اشتغال هذه المؤسسة كنسق جزئي داخل نسق اجتماعي عام. ورغم تعدد المواقف والآراء بشأن هذه المسألة، فإن المؤسسة التعليمية يمكن، بل يجب أن تكون أداة للتجديد والتطوير والتقدم الاجتماعي وصناعة المستقبل، لكنْ لا يمكن أن يتحقق لها ذلك إلا بترسيخ ذلك الوعي السياسي النقدي المطلوب لدى مختلف مكوناتها، المؤطر برؤية نسقية استراتيجية تؤمن بأهمية التربية في التنشئة والأنسنة وبدورها الحاسم في تحرير طاقات الأفراد والجماعات وتحقيق التوازن المطلوب بين حاجيات الفرد وحاجيات المجتمع، في أفق تجسيد التماسك والتضامن والاستمرارية لهذا الأخير.
المؤسسة الاقتصادية:
الاقتصاد كمؤسسة اجتماعية هو مجال منظم من الاهداف و القيم و المعايير وانماط السلوك المستمرة والتي تهدف الى ضمان البقاء المادي للمجتمع من خلال انتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات. بينما يركز علماء الاقتصاد على الاليات المعقدة للنظم الاقتصادية كمعدلات التضخيم والدين الوطني… يهتم علماء الاجتماع بالعلاقات القائمة بين المقتصد او النظام الاقتصادي والمؤسسات الاجتماعية الاخرى وعلاقته ايضا بالتنظيم الاجتماعي للعمل سواء على المستوى الوطني، مثل تأثير الشركات متعددة الجنسيات على الدول النامية، او على المستوى معدلات البطالة و الرضا عن العمل.
فالمؤسسة الاقتصادية هي اندماج عدة عوامل بهدف إنتاج أو تبادل السلع و الخدمات مع الأعوان الاقتصاديين الآخرين و هذا في اطار قانوني و مالي و اجتماعي تختلف نسبيا و مكانيا تبعا لمكان وجود المؤسسة و حجم و نوع النشاط الذي تقوم بهو يتم إندماج لعوامل الإنتاج بواسطة التدفقات النقدية الحقيقية (سلع و خدمات) و أخرى عينية وكل منها يرتبط إرتباطا وثيقا بالأفراد حيث تتمثل الأولى في الوسائل و المواردالمستعملة في التسيير و المراقبة.
والمؤسسات الإقتصادية المختلفة التي نراها في الواقع لم تظهر بأشكالها الحالية من أول مرة بل كان ذلك لعدة تغيرات و تطورات متواصلة و متوازية مع التطورات التي شهدتها النظم الإقتصادية و الإجتماعية والحضارات البشرية منذ أن تمكن الإنسان من الإستقرار و تحضير حاجاته و نظرا لما
للمؤسسة من أهمية و دور في النشاط الإقتصادي للمجتمعات فإنه يجدر بنا الإطلاع على تطوراتها ضمن المجتمع إبتداءا من الإنتاج الأسري البسيط لغاية ظهور التكتلات و الشركات المتعددة الجنسيات.
فقد تطورت النظم الاقتصادية عبر ثلاثة مراحل: المقتصد البدائي أي ما قبل الصناعة، حيث يقوم العمال فيه بأنشطة اولية كاستخلاص المواد الاولية و الموارد الطبيعية من البيئة، ويتم توزيع السلع الفائضة من خلال التبادل. والمرحلة الثانية هي المقتصد الصناعي، وهنا بتقدم المستوى التكنولوجي يبدا العمال فيه في الانتاج الصناعي الذي يشمل معاملة المواد الخام الطبيعية وتحويلها الى سلع نهائية، كما يباع فيه عنصر العمل بدلا من مجرد العمل الشخصي او العمل من اجل الاسرة. ويتسم العمل في الاقتصاد الصناعي بتخصص العمل وتكراريته والانتاج المتسع كبير الحجم، ويتحول النشاط الاقتصادي الى نظام بيروقراطي معقد. اما المرحلة الثالثة فهي المقتصد ما بعد الصناعة: وهو يعتمد على الانتاج الوسطي الذي يركز على امداد الخدمات وتوفيرها، وهو يعتمد على المهارة الفنية ومستويات التعليم والتدريب العالية.
وتنحصر النظم الاقتصادية المعاصرة من الناحية النظرية في اثنين: الرأسمالية و الاشتراكية. فالرأسمالية تتميز بالملكية الخاصة لوسائل الانتاج والممتلكات والموارد الطبيعية، والسعي نحو المكاسب الشخصية وتعظيم المكاسب الفردية واحتكار القلة، حيث يمكن لشركات قليلة ان تتحكم في الصناعة بأكملها. اما الاشتراكية فتتميز بالملكية العامة لوسائل الانتاج المملوكة للجماعة او الدولة. فهي جماعية الاهداف مع احلال المساواة في اتخاذ القرارات و العمل من اجل الصالح العام. تتميز الاشتراكية عن الرأسمالية بزيادة العدالة الاقتصادية، في حين ان الرأسمالية تتميز بزيادة الانتاجية الاقتصادية.
والأهمية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية يكمن حصرها فيما يلي:        
– توفير الشغل : إن إنشاء مؤسسات إقتصادية يعمل على توفير مناصب الشغل وهذا سمح بامتصاص البطالة من المجتمع المعني و تختلف نسبة توفير الشغل حسب حجم المؤسسة و نوع النشاط الذي تنشط فيه و كذا التكنولوجيا المتبعة في هذهالمؤسسة. – التأثير على الأجور : للمؤسسة دور هام في تحديد الأجور وبقوة استقطابها لليد العاملة إلى المناطق النائية أوقصد تحويل العمال نحو قطاع معين قصد تنميته و تطويره. – دفع عجلة التغيير: إن ظهور مؤسسات إقتصادية في جهات ريفية أو مناطق تتأثر بتخلف عمراني تعمل على التغيير و ذلك بإنشاء مساكن للعمال و إعداد الطرق ، والمرافق العامة كما تقوم ببناء المدارس و المستشفيات و قد يؤدي ذلك إلى ظهور تجمعات سكانية أو مدن جديدة و هذا ما يمكن ملاحظته غالبا ، وكمثال واقعي على هذا ظهور مدن جديدة بعد أن تكونت مركبات صناعية.
اما الأهمية الإقتصادية: بالإضافة إلى الآثار الإجتماعية التي سبق ذكرها للمؤسسة أهمية إقتصادية تمكنها من تغيير وجهة الإقتصاد الوطني و التي تكمن فيما يلي: – ظهور منشآت تجارية جديدة : بحيث إن زيادة عدد السكان في منطقة أو مدينة مما يؤدي إلى ظهور مؤسسة أو مجموعة من المؤسسات الإقتصادية الجديدة و بالتالي ضرورة القيام بإعداد منشأة تجارية جديدة لتلبية حاجات العمال الجدد وتلبية مختلف مرافق الحياة الضرورية ولهذا تظهر الأهمية المتمثلة فيظهور ودفع حركة تنموية فيالمؤسسات. – التأثير على الإستهلاك: إن سياسات البيع و الديوان التي تتبعها المؤسسة تؤثر على إستهلاك المجتمع، فزيادة المبيعات و تنوعها تؤدي إلى المنافسة و بالتالي إنخفاض الأسعار مع التنوع في السلع المعروضة وهذا ما يفيد الطبقة العاملة من خلال هذه العناصر تظهر لنا أهمية المؤسسات الإقتصادية كما أن هذه الأخيرة سواء كانت عمومية أو خاصة تسعى من خلال القيام بنشاطها إلى تحقيق أهداف و التي درست سابقا.
اذن يمكن إعتبار المؤسسة الاقتصادية عميل اقتصادي يقوم بنشاط اقتصادي ذات طابع صناعي أو تجاري أو خدماتي و بالتالي هيكل عضوي متكامل مكون من مجموعة عناصر مادية و بشرية (مستخدمين و مصالح و وحدات أقسام ) تترابط مع بعضها البعض بشكل متكامل لتشكيل هيكل إقتصادي و منه فإن المؤسسة نظام متكامل مشكل من مجموعة العناصر ذات التأثير المتبادل. وان المؤسسة الإقتصادية هي إندماج عدة عوامل بهدف إنتاج أو تبادل السلع و الخدمات مع الأعوان الإقتصاديين الآخرين و هذا في اطار قانوني ومالي و إجتماعي تختلف نسبيا و مكانيا تبعا لمكان وجود المؤسسة و حجم و نوع النشاط الذي تقوم بهو يتم إندماج لعوامل الإنتاج بواسطة التدفقات النقدية الحقيقية (سلع و خدمات) و أخرى عينية وكل منها يرتبط إرتباطا وثيقا بالأفراد حيث تتمثل الأولى في الوسائل والموارد المستعملة في التسيير و المراقبة. كما ان المؤسسة الاقتصادية هي جميع أشكال المنظمات الإقتصادية المستقلة ماليا، هدفها توفير الإنتاج لغرض التسويق ، وهي منظمة و مجهزة بكيفية توزع فيها المهام و المسؤوليات و يمكن أن تعرف بأنها وحدة إقتصادية تتجمع فيها الموارد البشرية و المادية اللازمة للإنتاج الاقتصادي.
     اذن يقصد “بالمؤسسة الاجتماعية” : هي كل تجمّع اجتماعي اقتصادي منتج يخضع لإشراف الدولة أو إحدى قطاعاتها أو لأحدى الجهات الخاصة حيث يضم ذلك التجمّع جهاز بشري متخصص الوظائف متعدد الأعمار والفئات والطبقات الاجتماعية إضافة لإمكانات اقتصادية ومتطلبات مادية وإدارة ناجحة وإشراف دقيق على مفاصل العمل والإنتاج ضمن تلك المؤسسة.
إن الاحتياج إلى المؤسسات يزداد، كلما توسع المجتمع، أو تقدم ، و كلما زادت العلاقة زادة المشاكل، مما يحتاج إلى حلول كثيرة، هذا من جهة زيادة الكم ـ في المجتمع ـ وأما من جهة زيادة الكيف، بأن تقدم المجتمع تدخّل أشياء جديدة ـ علمية أو عملية ـ في حياة الإنسان، تكثر العلاقة أيضاً، ومع كثرتها تحتاج إلى كثرة الحلول. وحيث أن الحياة مرتبطة بعضها ببعض، كذلك يكون حال المؤسسات.
وكلما كانت المؤسسات أكثر في المجتمع، كان أنفع لناس و للمجتمع؛ لكن بشرط أن لا تسبب الكثرة في ضياع الإنتاج….وقد يكون ترابط المؤسسات مع بعضها البعض عامل لبنائها وتطورها فإذا حصل تغيير في مؤسسة اجتماعية ما، تأثرت سائر المؤسسات بذلك التغيير قليلاً أو كثيراً حسب نوع وقوة الترابط بينها وأيضا قد يكون هذا الترابط نفسه عامل هدم لإحداهما أو لكليهما معا – للأسف الشديد- فإن الانفصام في المؤسسات يولد الانفصام في المجتمع يولد الانفصام الاجتماعي. والمطلوب هو الترابط والترابط الايجابي مع بعضها البعض في حركة متوازنة وبسرعة ثابتة.
وأخيراً اللازم في المؤسسة الاجتماعية أن يكون أكبر قدر من التنسيق والمودة بين أعضاء المؤسسة، وإلا أضر عدم التنسيق بالعمل وتقدمه من ناحية، وانفض الناس من حولها بسبب إظهار الأعضاء نقائص الآخرين أمام المجتمع مما يسبب سحب المجتمع ثقتهم عن المؤسسة.
وخلاصة القول أن وجود مؤسسات في أي مجتمع مدني هو دليل على وعي ذلك المجتمع والعكس صحيح.
بعض المصادر المعتمدة:
  • Turner Jonathan. The Institutional Order ,New York: Longman, 1997.
  • :أحمد جميل حمودي،الحوار المتمدن-العدد: 2327 – 2008 / 6 / 29 – 09:35
  • : سناء الخولي ، الاسرة في عالم متغير، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر،1974.
(4): جون ديوي. “المدرسة و المجتمع”، ترجمة أحمد حسن الرحيم، دار مكتبة الحياة، بيروت، الطبعة 2 ، 1978
(5) : جامع محمد نبيل، التنمية في خدمة الامن القومي: الطاقة البشرية و الطاقة النووية في الميزان، الاسكندرية، منشاة المعارف،2000

شارك هذه الصفحة وتابعنا على صفحاتنا الرسمية
شارك الموضوع →
تابعنا →
إنشر الموضوع →

0 التعليقات:

إرسال تعليق

افلام اون لاين