دروس على مدار الأسبوع

http://go.ad2up.com/afu.php?id=821930

السوسيولوجي

إشترك معنا ليصلك جديد الموقع

بريدك الإلكترونى فى أمان معنا

الجمعة، 14 أكتوبر 2016

مدخل الى علم النفس


             علم النفس


تعريف علم النفس :علم النفس هو الدراسة العلمية للسلوك الإنساني ولتوافقه مع البيئة . علم النفس يدرس السلوك الإنساني :
السلوك يتكون من : ( مثير واستجابة ):
المثير أو المنبه :
أي عامل خارجي أو داخلي يثير نشاط الكائن الحي أو نشاط عضو من أعضائه أو يغيره أو يكفه .
المنبهات الخارجية : منبهات فيزيقية - اجتماعية .
المنبهات الداخلية : فسيولوجية - نفسية .
مجموع المثيرات يسمي موقف .
الاستجابة :
كل نشاط يثيره منبه أو مثير .( أنواع الاستجابات : حركية - لفظية - فسيولوجية - انفعالية - معرفية - الكف عن النشاط) .
السلوك يكون في الغالب مجموعة من الاستجابات .
علم النفس يدرس ثلاثة أوجه من النشاط :
1 - السلوك الحركي واللفظي
2 - النشاط العقلي
3 - النشاط الوجداني
السلوك نشاط كلي :
o ليس هناك نشاط معرفي بحت ولا نشاط حركي أو انفعالي بحت .
o النفس والجسم كيان واحد .
o تسمية علم النفس خطأ قديم التصق به على الرغم من كونه يدرس السلوك .
السلوك نشاط غائي :
كل سلوك يهدف لغاية معينة سواء شعر بها الكائن الحي أم لم يشعر بها
السلوك أداة تكيف مع البيئة :
المقصود بالبيئة :
البيئة هي : مجموعة العوامل الخارجية-خارج وحدات الوراثة - التي تؤثر في الكائن الحي نموه ونشاطه منذ تكوينه حتى نهاية حياته . وتكون إما مادية أو بيولوجية أو اجتماعية .
البيئة الواقعية والبيئة النفسية :
البيئة الواقعية (المحيط) : كل ما يحيط بالفرد من عوامل مادية واجتماعية سواء أثرت في الفرد أم لم تؤثر فيه .
البيئة النفسية (المجال) : هي البيئة كما يدركها الفرد ويتأثر بها . وهي التي يهتم علم النفس بدراستها .
المحيط الواحد يؤلف مجالات مختلفة لعدد من الأفراد .
التكيف :
التكيف عند علماء النفس : هو محاولة الفرد إحداث نوع من التواؤم بينه وبين البيئة المادية أو الاجتماعية إما عن طريق الامتثال للبيئة أو التحكم فيها أو إيجاد حل وسط بينه وبينها .

التوافق فكرة أساسية في علم النفس :
إذا نجح الإنسان في التكيف مع بيئته المادية والاجتماعية سمي (متوافق) ،وإذا لم ينجح كان (غير متوافق ) وقد يكون عدم التوافق سوء توافق اجتماعي أو سوء توافق مهني أو تعليمي ... .
موضوعات علم النفس :
1 - الدوافع
2 - الانفعالات
3 - النضج
4 - الإدراك
5 - التعلم
6 - التذكر والنسيان
7 -التفكير
8 - الشخصية
9 - الفروق الفردية والذكاء
10 - اضطرابات السلوك وعلاجها

أهداف علم النفس :
1 - فهم السلوك وتفسيره
2 - التنبؤ بما سيكون عليه السلوك
3 - ضبط السلوك والتحكم فيه وتعديله وتحويره وتحسينه
ميادين علم النفس :
أولاً - الميادين النظرية :
1 - علم النفس العام :
o دراسة المبادئ العامة لسلوك الإنسان الراشد السوي (أي يستخلص الأسس العامة للسلوك الإنساني ويصرف النظر عن الحالات الخاصة ) مثل دراسة الدوافع والانفعالات والذكاء ....
o يدرس أساليب البحث ووسائل جمع المعلومات في علم النفس وكذلك مدارس علم النفس التي حاولت تفسير السلوك .
o يجب على كل من يريد دراسة علم النفس أن يبدأ بدراسة علم النفس العام .
2 - علم النفس الفسيولوجي :
- يدرس العلاقة بين الجهاز العصبي والسلوك .
- ترجع بداية علم النفس الفسيولوجي كعلم حديث للعالم "فونت" .
3 - علم النفس الاجتماعي :
o يدرس العلاقة بين الفرد والجماعة (مثل : التنشئة الاجتماعية - سيكولوجية الجماهير - تماسك الجماعة - الأدوار الاجتماعية - الدعاية - الرأي العام - الشائعات - القيادة ) .
o يدرس الانحرافات والأمراض الاجتماعية .
4 - علم نفس النمو :
o يطلق عليه تسميات مختلفة مثل " علم النفس التكويني " ،"علم النفس الارتقائي " ، "سيكولوجية الطفولة والمراهقة " .
o يدرس مراحل النمو التي يمر بها الإنسان وخصائصها لمعرفة الشروط البيئية اللازمة التي تؤدي لأحسن نمو ممكن ولاكتساب أحسن طرق التكيف الاجتماعي .
5 - علم النفس الفارق :
- دراسة الفروق بين الأفراد والجماعات والسلالات والجنسين : أسبابها - أثر كل من الوراثة والبيئة عليها .
- يتم استخدام الاختبارات والمقاييس النفسية لدراسة تلك الفروق .
6 - علم نفس الحيوان :
o يهتم بدراسة الأسس السيكولوجية لسلوك الحيوان من أجل التوصل لنتائج تفيد في تفسير سلوك الإنسان .
o اهتم به علماء النفس والفسيولوجيا لسهولة إجراء التجارب على الحيوان في حين يستحيل تطبيق بعضها على الإنسان .
7 - علم النفس المقارن :
يقارن سلوك الإنسان بالحيوان ،وسلوك الطفل بسلوك الراشد ،وسلوك الإنسان البدائي بسلوك المتحضر ،وسلوك الشخص السوي بسلوك الشاذ .
8 - علم نفس الشواذ :
يدرس سلوك فئات خاصة في المجتمع وينقسم إلى فرعين :
أ - علم نفس الموهوبين .
ب - علم النفس المرضي :يدرس الاضطرابات السلوكية وأسبابها وكيفية مواجهتها ومساعدة من يعانون منها ،سواء كانت انحرافات سلوكية (الجناح - السرقة ) ،أو عصابية أي نفسية (القلق ،الهستريا ،الوساوس،توهم المرض ) أو ذهانية أي عقلية (الفصام ،الهوس ،الاكتئاب ،البارانويا ).
ثانياً:- الميادين التطبيقية : 1 - علم النفس التربوي :
o يحتاج المعلم أن يلم بثلاثة أمور : المادة التي يدرسها ،ونفسية التلاميذ وعقلياتهم ،وكيفية أيصال المعلومات لهم.
o وعلم النفس التربوي يعنى بدراسة الخصائص الرئيسية لمراحل النمو ليستطيع المربون وضع المناهج الدراسية المناسبة لكل مرحلة .
o يعنى بدراسة المبادئ والشروط الأساسية للتعلم حتى يستطيع المربون إكساب التلاميذ المعلومات والعادات والاتجاهات السليمة .
o يراعي الفروق الفردية بين الطلاب في القدرات والميول .
o يهتم بحل المشكلات التعليمية ،ولا تكون الحلول سريعة وفورية لتعدد العوامل فيها وتغيرها .
o يعنى بإجراء التجارب لمعرفة أحسن المناهج التعليمية ،وهو في ذلك يستخدم المقاييس المختلفة للذكاء والقدرات العقلية والتحصيل الدراسي .
2 - علم النفس الصناعي :
o يطبق مبادئ علم النفس في مجال الصناعة لزيادة الكفاءة الانتاجية للعامل .
o يدرس أسباب التعب في الصناعة وأثرها في تقليل الإنتاج .
o يستخدم الاختبارات النفسية لاختيار أصلح العمال ووضعهم في المكان المناسب لاستعداداتهم العقلية والنفسية .
o يطبق مبادئ التعلم في برامج التدريب الصناعي .
o يدرس أسباب الحوادث ويحاول وضع أساليب لتقليلها .
o يدرس العلاقات الاجتماعية والمشكلات التي تحصل في العلاقات الاجتماعية في المصانع .
3 - علم النفس التجاري :
- يدرس دوافع الشراء ،والاتجاهات النفسية نحو السلع .
- يدرس سيكولوجية البيع والإعلانات .
4 - علم النفس الجنائي :
o فرع تطبيقي لعلم النفس الشواذ.
o يدرس أسباب الجريمة وطرق علاجها .
5 - علم النفس القضائي :
يدرس العوامل المؤثرة في عملية التحقيق والحكم (العوامل المؤثرة على المدعين ،المتهم ،الشهود،القاضي ،الرأي العام ) .
6 - علم النفس العسكري أو الحربي :
o يطبق مبادئ علم النفس في الجيش لزيادة كفاءة القوات المحاربة .
o يستخدم الاختبارات النفسية لاختيار أنسب الجنود وتوزيعهم على الوحدات بما يناسب قدراتهم واستعداداتهم .
o يطبق مبادئ التعلم في برامج التدريب العسكري .
o يدرس المشكلات النفسية المتعلقة باستخدام الحواس في ميدان القتال حتى يستطيع الجنود توظيف حواسهم على أحسن وجه .
o يدرس سيكولوجية القيادة والروح المعنوية والدعاية والحرب النفسية .
o علاج وتأهيل الجنود بعد القتال من المصابين بصدمات نفسية أو تشوهات بدنية .
7 - علم النفس الإرشادي
يهتم بالمشكلات التوافقية للأفراد الأسوياء وغالبا عند الصغار وأهم موضوعاته مشكلات التوافق التربوي والمهني والاجتماعي
8 - علم النفس الإكلينيكي
يهتم بالمشكلات الأكثر حدة مثل الأمراض النفسية والتخلف العقلي ،وجنوح الأحداث والإدمان
o وجه الشبه بين علم النفس الإكلينيكي وعلم النفس الإرشادي
يساعد على التوافق والحياة المطمئنة الخالية من المشكلات النفسية .
يقومون بثلاث وظائف :
1 - البحث
2 - التشخيص عن طريق المقابلة أو الاختبارات النفسية ..
3 - العلاج بوسائل متعددة تختلف عن وسائل الأطباء النفسيين فهم لا يستخدمون العقاقير ولا الجراحة ولا الصدمات الكهربائية
9 - الإرشاد الأسري :
يدرس مشكلات الأسرة ( الأسباب التي تؤدي لسوء التفاهم بين الزوجين وكيف يمكن حلها ).
10 - علم النفس الفني :
يدرس العوامل النفسية التي تؤثر على الإنتاج الفني للأدباء والفنانين .
11 - علم النفس السياسي :
يدرس العوامل النفسية التي تدفع الناس لاعتناق بعض المبادئ السياسية ،أو تدفعهم لتفضيل بعض المرشحين في الانتخابات



لتحميل كتاب مدخل الى علم النفس 
المرجو الضغط هنا 

مدخل الى المؤسسات الإجتماعية

   المؤسسات الإجتماعية 

تعرف المؤسسة الاجتماعية بانها نظام مركب من المعايير الاجتماعية المتكاملة المنظمة من اجل المحافظة على قيمة اجتماعية اساسية. ولا ينظر علماء الاجتماع الى مفهوم المؤسسة الاجتماعية بنفس النظرة التي يتخذها العوام غير المتخصصين الذين يطلقون خذا المصطلح على السجون ومعاهد الاصلاح ودور التربية الاجتماعية والكنائس والمساجد والمنظمات الترفيهية… وهكذا يستخدم علماء الاجتماع مصطلح المؤسسات الاجتماعية ليصفوا النظم المعيارية التي تحدد السلوك الاجتماعي في خمسة مجالات حياتية اساسية. يطلق على هذه المجالات المؤسسات الاجتماعية الاساسية وهي: نظام القرابة او الاسرة, مجال السلطة والقوة الشرعية والنفوذ وهو مجال السياسة, مجال الانتاج وتوزيع السلع و الخدمات وهو المجال الاقتصادي, مجال نقل المعرفة من جيل الى اخر وهو التعليم, واخيرا مجال تنظيم العلاقة مع عالم الميتافيزيقا او عالم ما وراء الطبيعة وهو المجال الديني. وبصورة مختصرة تسمى المؤسسات الاجتماعية الاسرة والحكومة والاقتصاد والتعليم والدين.
وتتواجد هذه المؤسسات الاجتماعية الخمس في جميع المجتمعات والجماعات الانسانية, وان كانت لا تتواجد دائما بصورة واضحة ومستقلة تماما عن بعضها البعض كما هو الحال في المجتمعات المتقدمة. ففي المجتمعات البسيطة كانت تؤدي معظم هذه المؤسسات داخل نطاق مؤسسه هي الاسرة . وتشير عالمية هذه المؤسسات الى انها عميقة الانغراس في الطبيعة البشرية, كما انه لا يمكن الاستغناء عنها لما تقوم به من وظائف ضرورية للنمو والتنمية والمحافظة على النظام والاستقرار الاجتماعي. ولذلك يكمن ان نعرف المؤسسة الاجتماعية بتعبير اخر بانها نظام معياري يحقق الحاجات الانسانية الاساسية من خلال تصميم نظام معياري يربط الفرد بالثقافة الاكبر, ويقوم بتحديد القيم الاجتماعية الاساسية كحقوق الانسان والديمقراطية, كما يحدد ايضا الادوار الاجتماعية وتوقعاتها مثل دور الزوج و الزوجة . وتقوم هذه المؤسسات بوظائف حيوية وضرورية لاستقرار المجتمع وبقائه وفعاليته.
ومن اكثر مفاهيم المؤسسة الاجتماعية شيوعا مفهوم “جوناثان تيرنر” الذي ينص على أنها “مركب أو نظام من المراكز والادوار الاجتماعية الكائنة بيانات اجتماعية خاصة وتقوم بتنظيم انماط من الانشطة الانسانية الثابتة نسبيا والمرتبطة بالمشاكل الاساسية الخاصة باستدامة واستمرار البنيات الاجتماعية الحيوية في اطار بيئة معينة”. (1)
ويجب التمييز بين المؤسسات الاجتماعية والاشكال الابسط من الكيانات الاجتماعية مثل الاعراف و المواثيق و المعايير الاجتماعية والادوار الاجتماعية او الشعائر او الطقوس اذ هذه جميعا ما هي الا مكونات تدخل في بناء المؤسسة الاجتماعية. كما يجب التمييز ايضا بين المؤسسات الاجتماعية والكيانات الاكثر تعقيدا مثل المجتمعات والثقافات التي تكون المؤسسات الاجتماعية جزءا منها.
كما يجب التمييز بين مصطلحات ثلاثة متداخلو فيما بينها ومرتبطة ببعضها ارتباطا عضويا، الا وهي التنظيم الاجتماعي والمنظمة الاجتماعية والمؤسسة الاجتماعية. فالتنظيم الاجتماعي هو عملية تصميم الحياة الانسانية في مجتمع معين بما يشملهذلك من وضع قيم واهداف ورغبات عليا يهدف المجتمع لتحقيقها ثم تحديد الوسائل اللازمة لتحقيقها ثم تشكيل انماط سلوكية اجتماعية ثابتة نسبيا تحدد الادوارو العلاقات الاجتماعية التي تسعى لتحقيق اعلى درجات الفعالية الهدفية والكفاءة الانتاجية في ظل بيئة خارجية متفاعلة مع هذا التنظيم.
ومن ثم يمكن القول بأن التنظيم الاجتماعي هو تكنولوجيا العمل الجمعي، وعلى ذلك فهو يمثل الاطار الاشمل لكل من المنظمات والمؤسسة الاجتماعية. اما المؤسسة الاجتماعية فهي تمثل المركب المعياري و القانوني و العرفي و الطقوسي الذي يضبط السلوك الاجتماعي لتحقيق الغايات المجتمعية التي ينص عليها التنظيم الاجتماعي. وتكون المنظمات الاجتماعية بذلك كيانات بنائية محددة الاهداف و العضوية و الادوار الاجتماعية او بعض مكوناتها المرتبطة بالنشاط المباشر للمنظمة.وتكون المنظمة الاجتماعية اقرب الكيانات الاجتماعية لكونها كيانات محسوسة مرئية، ويعمل فيها افراد اعضاء يشغلون ادوارها الاجتماعية. الا ان ريتشارد سكوت قد رأى في كتابه ” المؤسسات و المنظمات “، ان المؤسسات غالبا ما تكون منظمات، كما ان كثيرا من المؤسسات تتكون من منظم من المنظمات، فعلى سبيل المثال تعتبر الرأسمالية نوعا خاصا من المؤسسة الاقتصادية تتواجد في المجتمعات الحديثة في صورة اشكال محددة من المنظمات التي من بينها الشركات المتعددة الجنسية وعابرة للقارات المنظمة في صورة نظام محدد. هذا بالإضافة الى ان بعض المؤسسات تعتبر خلفية، بمعنى أنها مؤسسات في حقيقة امرها هي منظمات تنظم مؤسسات اخرى. فالحكومة مثلا عبارة عن مؤسسة خلفية تتحقق اهدافها من خلال القيام بتنظيم مؤسسات اخرى سواء مؤسسات فردية او جماعية، و من ثم تقوم الحكومة بالتنسيق بين النظم الاقتصادية و النظم التعليمية والشرطة و القوات المسلحة وغيرها من خلال التشريعات والقوانين الاجبارية.
ومن ناحية اخرى نرى ان بعض المؤسسات ليست منظمات او نظم من المنظمات كما لا تتطلب منظمات على الاطلاق. فعلى سبيل المثال يعتقد ان اللغة العربية مثلا مؤسسة و ليست منظمة. وتتسم المؤسسات الاجتماعية بسماحها لقدر كبير من الارادة الحرة للفرد في ادائه لدوره الاجتماعي تبعا للمؤسسة التي تشمل هذا الدور، وذلك لان المعايير و القواعد و الغايات لا يمكنها ان تغطي التفاصيل الخاصة بأداء الدور الاجتماعي في ظل المفاجآت التي يمكن ان تحدث بصورة غير متوقعة بالإضافة الى الظروف المتباينة و المشاكل التي تجعل من تطبيق الارادة الحرة للأفراد الفاعلين لأدوارهم ميزة لتحقيق الكفاءة و المنطقية و العقلانية لدرجة انه قد ينشئ الفرد قواعد جديدة تماما تحت هذه الظروف.
و بالرغم من توافر الارادة الحرة للأفراد على جميع المستويات الوظيفية و المهنية الا انه يمكن لهذه الارادة ان تختلف تبعا لظروف متعددة، فالتاجر مثلا اكثر حرية من الموظف.
ومن اهم ما تتسم به المؤسسة الاجتماعية العدالة ، فالأسرة و التعليم و الحكومة واقتصاديات السوق ونظم الاجور و النظم القضائية و السجون وغير ذلك كله تقيم بين معايير اخرى تبعا لتوافقها مع اسس العدالة. ويتعرض القائمون بالأدوار الاجتماعية في المؤسسات الاجتماعية للعدالة التوزيعية نظرا لانهم يستقبلون المنافع ويقدمونها مثل الاجور و السلع الاستهلاكية، كما انهم يتحملون اعباء المسؤوليات معينة. و بالإضافة الى ذلك فان بعض المؤسسات وخاصة الحكومة تتمثل غايتها النهائية المؤسسات الاجتماعية.
المؤسسة الحكومية ( السياسية):
“لقد تساءل “توماس هوبس” في كتابه ” الطاغية او الدكتاتور ” عن دور الدولة ومدى تدخلها في حياة المواطنين ومدى التزام المواطنين بالطاعة تجاهها. وقد ادت به هذه التساؤلات الى الوصول الى مفهوم الدولة التعاقدية. اما اليوم فالسائد هو مفهوم الدولة الدستورية ولكنه مفهوم له سابقات تاريخية.
ان المعيار الاساسي اليوم للدولة الناجحة هو اقامة العدالة من خلال القانون الرسمي المكتوب، ويسود في هذا العصر، عصر الديمقراطيات الرأسمالية الحرة معيار حرية الانسان وحقوقه كدليل على دستورية الدولة و شرعيتها. فبدخول اوروبا عصر التنوير اصبحت الحرية هي عنوان الحياة واتخذت مفهوما فلسفيا جديدا، وكانت ديمقراطية عصر التنوير بسيطة ومقبولة لأنه لم يكن يدور بخلد احد حينئذ نشأة البيروقراطية في عصر الصناعة الحديثة. فأصبحت البيروقراطية حتمية اليوم في ظل سيادة الاسواق الاقتصادية العالمية، والتكنولوجيا الحديثة واساليب الانتقال العصرية، والاعداد السكانية الهائلة في عالم اليوم. ومن ثمة اصبحت مهمة الدولة ودورها اليوم في غاية التعقيد امام وجود هذه البيروقراطيات الضخمة التي يمكن ان تكون منافسا للدولة نفسها.
   ان الانسان مخلوق اجتماعي، فهو يعيش في جماعات على موارد طبيعية معينة سواء كانت الارض او الحياة او الهواء، فلو ترك كل فرد يستغل الارض مثلا كيفما شاء تبعا لمصلحته ومنفعته الخاصة دون تكلفة يتحمل هو عبئها لحدثت كارثة الاستتراف لذلك المورد ومن ثمة فلن يضر نفسه فقط ولكنه سوف يشمل الضرر جميع بني جنسه من البشر. ومن هنا كانت ضرورة الحكومة لتنظيم استغلال الموارد استغلالا عادلا وحميدا.
ومن ضرورات الحكومة اختيار القيادات الصالحة، فالقائد يحدد بطبيعة شخصيته وقدراته القيادية كمدى حسن استغلال الموارد الطبيعية والمادية و البشرية… كما يحدد مقدار العدالة التوزيعية ايضا بين المقودين. ومن الضرورات التي اقتضت وجود الحكومة ايضا قدرة الموارد الطبيعية مع الزيادة السكانية.
ولاشك ان الحكومة كأحد المؤسسات المجتمعية الاساسية الخمس، هي رأس الحركة المجتمعية في كافة المجتمعات الانسانية، وعلى الاخص في المجتمعات النامية، وعلى اخص الاخص المتخلفة.فالمهمة الاساسية للحكومة ان تبعث الحياة في الشعب، وتتخلى عن مركزيتها الطاغية برشد وحساب، تخليه تدريجيا من جانبها، وتخليه واعية من جانب الشعب. ان الفاظا مثل المشاركة الشعبية، الجهود الذاتية، المجتمع المدني، الديمقراطية… لا تتعدى اليوم مجرد شعارات ترفع.
وتتمثل المهمة الثانية للدولة في حماية المجتمع من الظلم و الفساد، كالفساد السياسي، الفساد المرتبط بالصفقات التجارية الضخمة، حماية المجتمع من حكم الهباء و القيادات المسطحة، واصلاح البيروقراطيات، حيث يجب ان تدرك الحكومة جوانب العجز البنائي والوظيفي للبيروقراطيات، وضرورة قيامها بحماية المجتمع و ضرورة التوجه نحو اللامركزية وتنظيمات الحجم الصغير”.(2)
   ان المهمة الاصلية للحكومة هي بعث الحياة في الشعب، وتفجير طاقاته، واستغلال امكانياته والعمل بالجماهير من اجل مصلحة الجماهير، فالحكومة الحية القديرة هي التي لا تستفرق اجهزتها في تنفيذ العمل الوطني، والتي لا تنفرد بالتنمية في جميع ابعادها القضائية و التشريعية و التنفيذية.
وانما تلك التي تشترك مع الجماهير، وتعبر عنها في وضع تصميم لحياة المجتمع، وفي وضع سياساته وخططه التنموية، ثم القيام بدور محدود في تنفيذ هذه الخطط، وهو ما يمكن ان يسمى بالدور المساعد اي جزء المنشط او المشجع الاعلى كفاءة واقوى فعالية لأدوار الجماهير نفسها، تلك الجماهير التي يجب ان تقوم هي بالجزء الاعظم من الجهود التنموية. ذلك الدور الذي يقتصر على توفير البيئة و المناخ الممكنين و المشجعين على معظم العوائد من جهة، وطاقات الجماهير الانتاجية والابداعية من جهة اخرى.
   ومن ثم يجب ان يقتصر دور الحكومة في التنمية على كل ما يخص الدولة كدولة، وليست كمناطق ادارية او هيئات او منظماتوجمعيات او افراد، وذلك من مهام و اعمال تعود عوائدها على الدولة و المواطنين اجمعين دون تمييز بينهم، مثل السياسة الخارجية، الدفاع، الامن الداخلي، البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، والصناعات المدنية و العسكرية الاستراتيجية المختلفة، وذلك بالدرجة الاولى، ثم التمويل، الاعلام، الثقافة، التعليم والصحة بالدرجة الثانية.
المؤسسة الاسرية:
عرفت الأسرة بالمؤسسة الاجتماعية التي تنشأ من اقتران رجل وامرأة بعقد يرمي إلى إنشاء اللبنة التي تساهم في بناء المجتمع، وأهم أركانها الزوج، والزوجة، والأولاد. وليس من شك في أنه كان و ما يزال لها الأثر الذاتي والتكوين النفسي في تقويم السلوك الفردي، وبعث الحياة والطمأنينة في نفس الفرد، فمن خلالها يتعلم اللغة ويكتسب بعض القيم والاتجاهات، وقد ساهمت الأسرة بطريقة مباشرة في بناء الحضارة الإنسانية، وإقامة العلاقات التضامنية بين الناس، ولها يرجع الفضل في تعلمهم لأصول الاجتماع، وقواعد الآداب والأخلاق، كما أنها السبب في حفظ كثير من الحرف والصناعات التي توارثها الأبناء عن آبائهم. فهي عالمية أي موجودة في كل المجتمعات الإنسانية وان اختلفت أشكالها كما هو متعارف عليه في أدبياتالانثروبولوجيا. كما أن ظهور علم الاجتماع الأسري ساعد على جعل الأسرة موضوعا خاصا ، موضحا كل وظائفها وأدوارها. كما ساهمت النظريات الاجتماعية التي تناولت الموضوع في تحليل وإغناء موضوع الأسرة.
ويجمع كافة العلماء و الباحثين على أن الأسرة هي أقدم المؤسسات الإنسانية و أكثرها شيوعاً. و يذهب البعض منهم إلى اعتبارها السبب المباشر في الحفاظ على الجنس البشري و الإبقاء عليه حتى الآن. فلقد ظلت الأسرة التنظيم الأهم الذي ينشأ فيه معظم الناس و عند مرحلة معينة ينفصل البالغون عن الأسرة ليكونوا أسرهم الخاصة. لكن ما يختلفون حوله هو تحديد تعريف جامع و وحيد للأسرة , نتيجة اختلاف المدارس و الاتجاهات التي ينتمون إليها . فمنهم من اعتبرها الجماعة الإنسانية التنظيمية المكلفة بواجب استقرار وتطور المجتمع. و منهم من عرفها بأنها الخلية الأساسية في المجتمع وأهم جماعاته الأولية التي تتكون من افراد تربط بينهم صلة القرابة و الرحم و تساهم في النشاط الاجتماعي في كل جوانبه المادية و العقائدية و الاقتصادية… ” وكما يعرفها كل من بيرجس ولوك في كتابهما “الأسرة” 1953 بأنهامجموعة من الأفراد يربطهم الزواج والدم أو التبني يؤلفون بيتا واحدا ويتفاعلون سويا ولكل دوره المحدد
مكونين ثقافة مشتركة. وهذا ينطبق على ما يعرف بالأسرة النووية. حسب جيري لي في كتابه ” البناء الأسري والتفاعل” حيث عرف الأسرة- والتي اعتبرها عالمية –بأنها ” تجمع إنساني عالمي وهي إما أن تكون على الشكل السائد الوحيد للعائلة وإما أن تكون كالوحدة الأساسية بوصفها جماعة فتتميز وظيفيا بشكل واضح وتتركب منها أشكال من العائلات أكثر تعقيدا وهي توجد في كل المجموعات المعروفة”.(3)
و تعرفها سناء الخولي في كتابها ” الأسرة في عالم متغير” ” بأنها ليست وحدة اجتماعية بسيطة , و إنما نظام مركب و معقد , و هي تنظيم له بناؤه و وظائفه, و له أهدافه و ديناميته , و من ثمة تؤثر و تتأثر بالمناخ الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي المتغير”.(4) من خلال التعاريف السابقة يمكن أن نقول أن الأسرة عبارة عن جماعة إنسانية تنظيمية مكلفة بواجب استقرار وتطور المجتمع عبر التأثير في نمو الافراد واخلاقهم منذ المراحل الأولى من العمر. وحتى يستقل الإنسان بشخصيته ويصبح مسؤولا عن نفسه وعضوا فعالا في المجتمع. كما تمارس وظائف مختلفة باختلاف المراحل الزمنية، والعصور التي تعاقبت عليها، وتختلف كذلك باختلاف البيئة الطبيعية والاجتماعية التي عاشت فيها. إن استقراءنا لعلم الإجتماعو الأنتربولوجيا في دراستهما للنسق الأسري داخل المجتمع يحيلنا إلى خلاصة مفادها أنه من الصعب الحديث عن وظيفة تخص حياة الفرد أو عمله لم تدخل في نطاق و مسؤولية الأسرة , مما يعني أن الأسرة كانت تمارس أدوارا عدة تواجه بها متطلبات العيش و الضبط الاجتماعي. فلقد تعددت وظائف الأسرة و اختلفت من حضارة إلى أخرى غير أنها ظلت في جميع المجتمعات تمثل الوسط الذي يتم فيه إنجاب الأولاد و يوفر لهم الحماية و الأمن و يعلمهم عادات مجتمعهم و تقاليده بما يمكنهم من التأقلم معه و تقبل ما فيه من أفكار و ثقافة. و للأسرة دور اقتصادي هام حيث توفر الدعم الاقتصادي لأفرادها من خلال وظائف أو أعمال يمارسها بعضهم و يتم تقاسم العائد منها مع أفراد الأسرة من غير المنتجين. وقد لعبت الاسرة القروية و البدوية القديمة دور المحرك الإقتصادي الذي يمد الحضر بمتطلبات العيش و عملت على تسويق منتجاتها. بينما كانت الأسرة الحضرية مستهلكة اكثر من كونها وحدة منتجة. لكن خلال تعرض المجتمع إبان منتصف القرن التاسع عشر للتغيرات الهامة التي برزت نتيجة التقدم العلمي و التكنولوجي, و تحول المجتمع من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي أفرز أنماطا جديدة لطرق و مستلزمات العيش, لم تعد الأسرة القروية تحقق اكتفاءها الذاتي اقتصاديا , حيث غزتها الخصائص الحضرية و شرعت تعتمد على المدن في متطلبات عيشها و تسويق المنتجات التي انحصرت في تربية الدواجن و صناعة الألبان. بينما أصبحت الأسرة الحضرية تمارس وظيفة الإنتاج المتعدد التخصصات و في نفس الوقت تستهلك كل ما يتناسب و طبيعة حياتها الحضرية. و عموما, يمكن القول أن الأسرة باختلاف أشكالها تشكل وحدة متكاملة وظيفيا تساهم في البناء الاقتصادي من خلال وظيفتي الإنتاج و الاستهلاك.
كما تشرف الأسرة على تربية أطفالها تربية صحيحة في ظل التعاليم الأخلاقية الفاضلة، والتي تساعد على دعم المجتمع باللبنات الصالحة التي تساهم في بناءه، والصعود به إلى مراقي الكمال. وقد أكد علماء الاجتماع على ضرورة ذلك وأكدوا أن الأسرة مسؤولة عن عمليات التنشئة الاجتماعية التي يتعلم الطفل من خلالها خبرات الثقافة، وقواعدها في صورة تؤهله فيما بعد لمزيد من الاكتساب، وتمكنه من المشاركة التفاعلية مع غيره من أعضاء المجتمع. و ذلك بأن تشيع في البيت الاستقرار، والود والطمأنينة، وإن تبعد عنه جميع ألوان العنف والكراهية، والبغض، فإن أغلب الأطفال المنحرفين والذين تعودوا على الإجرام في كبرهم، كان مرد ذلك عدم الاستقرار العائلي الذي آلت له أسرهم. ومن المعلوم أن الأسرة تشكل الحقل الأول و الأساسي الذي من خلاله يلقن الآباء الابناء العديد من القيم و التعلمات , بالإشراف على تعليم أطفالهم و متابعتهم في المذاكرة و الواجبات المنزلية . فعلى الرغم من نشوء المؤسسات التعليمية في العالم، إلاّ أن الأسرة تبقى هي المعلم الأول لمن تنجبه من الأبناء. بل إن تقدم أو تأخر الأطفال في التحصيل له علاقة وطيدة بالوقت الذي يقضونه مع أطفالهم. فكلما منحوا وقتا اطول لأبنائهم في مساعدتهم على التمدرس و التعلم كلما أتت النتائج إيجابية. اذن يمكن القول بان الأسرة في الماضي كانت وحدة اقتصادية مكتفية ذاتيا تقوم باستهلاك ما تنتجه, وباستمرار التغير والتطور في كافة المجتمعات تقلصت وظائف الأسرة بل فقدتها في بعض الأحيان وظهرت المؤسسات والتنظيمات المختلفة كبديل عنها, مما يؤثر تأثيرا أساسيا في طبيعتها و مكانتها في الوجودالإجتماعي، ومع ذلك ما تزال الأسرة تحتفظ ببعض الوظائف.
المؤسسة الدينية:
الدين عبارة عن انماط من العقائد معرفة تعريفا اجتماعيا، وتتعلق بالمعنى و الغاية النهائية من الحياة مؤكدة على وجود عالم ما وراء الطبيعة. ولا يشغل العلماء الاجتماعيون بالهم بوجود الله او عدم وجوده، كما لا يشغلون بوجود مخلوقات او كائنات اخرى في عالم ما وراء الطبيعة، ولكنهم يركزون على الكيفية التي تؤثر بها العقائد الخاصة بما وراء الطبيعة على السلوك الانساني وعلى العلاقات الاجتماعية وعلى البيانات الاجتماعية. وقد اعتقد العلماء الاجتماعيون في الماضي ان الدين سوف يزول نهائيا من المجتمع الحديث او المجتمع الدنيوي او المدني، الا ان هذا لم يحدث، بل حدث العكس من ذلك، حيث نرى حركات لإحياء الدين وذلك بسبب عاملين رئيسين: حرية الاختيار الديني حيث لا توجد ديانة رسمية للدولة ولا يوجد هناك حث على توجه الجميع نحو ديانة معينة. ومن ثم يجد الاشخاص الحرية الكاملة لتسويق أي ديانة يرون ان المجتمع في حاجة اليها. اما العامل الثاني فهو تعدد المنظمات و الهيئات المتنافسة والتي تسوق لعقائدهم وافكارهم، حيث يلاحظ ذلك من مجرد فحص دليل التلفونات في أي مدينة امريكية مثلا لتذهل بعدد المنظمات الدينية وعدد الكنائس المتجاورة والتي بعضها كاثوليك والاخر ميثودست او وأرثوذوكس…
وتلعب المؤسسات الدينية في كل مجتمع الدور الرئيسي والاساسي في تربية وتعليم الانسان وذلك لان التدين ضرورة إنسانية ولا يمكن ان تجد مجتمعا يخلو من هذه الظاهرة مهما كان نوعها أو دورها. ولعل من أهم وظائف هذا النوع من المؤسسات هو مساعدة الإنسان على تلبية رغباته وحاجاته النفسية والروحية ومساعدته على إيجاد الإجابة عن الأسئلة الفلسفية العديدة التي من أهمها “ما هو الانسان؟” و “ما معنى الحياة؟” و “لماذا وجد هذا الانسان على هذه الارض؟” ولعل خير مثال على هذا النوع من المؤسسات في مجتمعنا المغربي هو المساجد والزوايا والمراكز والمدارس والمعاهد الاسلامية.
   يؤدي الدين وظائف متعددة سواء للفرد او للمجتمع، اذ ان الدين مرتبط بالمجتمع بصورة قوية ومتشابكة. لقد لخذت هذه العلاقة انماط واشكال مختلفة يمكن حصرها في اتجاهين: الاتجاه الاول ينظر الى الدين كعامل تكامل وحفاظ على الواقع الاجتماعي، واما الاتجاه الثاني فينظر الى الدين باعتباره عامل تجديد وتغيير اجتماعي. وفي الاتجاهين تكون النظرة ايجابية او سلبية وفقا لأيديولوجية الفرد.
فالدين كعامل تكامل اجتماعي عبر عن هذا المنهج “اميل دوركهايم”، الذي يرى في اصل الدين ومنشاة في الاسقاط لحاجة اجتماعية بغية حماية الجماعة، وبذلك يكون الدين ضمير الجماعة. وتصبح وظيفته المحافظة على وحدة الجماعة، مؤمنا تكاملها وانسجامها. ونجذ عند كارل ماركس الذي حدد بنظريته التي تعتبر القاعدة الاقتصادية اساس المجتمع والتي يقوم عليها البناء الفوقي الذي يشتمل على جميع ظواهر الحياة الاجتماعية، مثل الدولة، الاخلاق، الفن… والدين هو احد اجزاء البناء العلوي. وفي مجال الدين يسقط الانسان ظروفه في العبودية التي يعاني منها في المجال الاقتصادي، أي في عمله، وفي انتاج الخيرات المادية. وبهذا فالدين هو بناء قومي وثانوي وليس اصيلا ويستخدم في الحفاظ على المجتمع الرأسمالي والعلاقات الاستقلالية. أي ان الدين وسيلة ايدولوجية تستخدمها الطبقة الحاكمة للحفاظ على سلطتها.
اما الدين كعامل تجديد وتغيير اجتماعي، في هذا الاتجاه يتعامل المجتمع مع الدين على انه متغير مستقل وعامل تجديد وتغيير وابداع في المجتمع، ومن اهم العلماء الذين درسوا هذه الظاهرة ماكس ويبر وينجر. فالأخلاق الدينية تبعث الدوافع لجهد الانسان في العالم، ويكون نجاحه في المجال الاقتصادي علامة للرضى الالهي، مما انشا الروح الرأسمالية.
   كما ان الدين له دور يكمن في التنشئة الدينية التي يشارك بها بشكل مباشر. وتشمل عملية التنشئة الدينية عدة مؤسسات مختلفة، واهمها الاسرة، المدرسة، والمنظمات الدينية الخاصة. وتقوم المؤسسة الدينية بدورها من خلال تجديد الطرح الديني التي يجب ان تكون في اساسها تربوية أي ان تشمل على معلومات من الواقع الديني وعلى القيم الانسانية. فالتنشئة الدينية تلعب دورا بتعليم ابعاد الدين الحقيقية التي تتعلق بتحسين الحياة الانسانية والارتقاء نحو انسانية مسؤولة وفاعلة من اجل الخير.
المؤسسة التعليمية:
تمثل المؤسسة التعليمية بعد المؤسسة الاسرية الوسيلة الرئيسية التي من خلالها تنتقل المهارات وتوقعات الادوار الاجتماعية ومعايير السلوك من الانتقال من جيل الى ما يليه. كما نتعلم من خلال المؤسسة التعليمية شيئا عن هويتنا ومدنيتنا، كما توفر ايضا الاساس القاعدي لتعلم مهارات العمل. ومن الاهداف الرئيسية للمؤسسة التعليمية:                                                                                            غرس القيم الاجتماعية والمعايير السلوكية: حيث تقوم وزارة التعليم بتحديد القيم والمعايير المراد غرسها في شخصية التلاميذ دون الرجوع الى المجتمع المحلي ورؤيته. ولذلك فكثيرا ما يختلف الناس مع ما يدرس بالمدارس من هذا المنظور، ومن الامثلة الصارخة تعليم الثقافة الجنسية في المدارس. كما تقوم المؤسسة التعليمية بتعليم التلاميذ القوانين والمسؤولية المدنية وكيفية عمل الحكومة ولو بطريقة تجريدية مثالية، وتقوم دراسة التاريخ بالكثير من هذه المهمة حيث تتعلم النماذج البشرية من خلال قياداتنا العظمى السابقين و الحاليين.
– تعزيز وتنمية التراث الثقافي: بجانب قيام المكتبات و المدارس والمدرسين بنقل القيم والتراث الوطني الى التلاميذ تقوم الجامعات بصفة خاصة بالحفاظ على القديم التي تدعه اهمية خاصة. فبدراسة المئات من الاشعار والقصائد والافكار و النظريات الخاصة بعلماء وحكماء قد ماتوا منذ القديم، فهؤلاء الناس قد تركوا تراثا انسانيا ذا اهمية بالغة سيدوم طيلة حياة الانسان. هذا وتقوم الجامعات و المدارس بتنمية التراث والاضافة عليه من خلال البحث العلمي بمختلف اشكاله وانواعه، واصبحت هذه الاضافة الى العلم والتراث معيارا وضرورة للحياة. والمؤسسة التعليمية تتخذ مهمة البحث العلمي التجريدي الذي تبنى عليه المعارف التكنولوجية وتندفع به الى افاق غير محدودة.
– تأهيل الخريجين لسوق العمل: كان التعليم في الماضي متواكبا تماما مع متطلبات سوق العمالة، الا ان التغيرات الاقتصادية السريعة تفوقت على سرعة تطور المناهج و البرامج و الادوات التعليمية بالإضافة الى فلسفة التعليم نفسها، فاصبح التعليم ينتقد بشدة، لأنه منفصل عن متطلبات العمالة، وكانه اصبح تكلفة دون عائد ومجرد شهادة يتزين بها الوضع الاجتماعي للخريج مما يساعده على الحراك الاجتماعي. فكثيرا ما يقال ان التعليم الالماني او الروسي او الياباني افضل من نظم التعليم لدينا لأنه مكن هذه الدول من انتاج سيارات او صواريخ وتكنولوجيا غاية في التقدم.
فالتعليم يمثل بمختلف مدارسه ومستوياته اداة لمجالسة الاطفال ورعايتهم، كما يقلل من مستوى البطالة، بالإضافة الى انه يمثل سوقا للاختيار الزواجي. ويساعد على التعليم من خلال طول مدة التمدرس في الحفاظ على الشباب خارج قوة العمل، ومن ثم تقليل مدة البطالة.
وبالرجوع إلى التاريخ، نجد أن المؤسسة التعليمية ارتبطت في نشأتها بالحاجيات التي أصبحت تفرضها تطورات المجتمع الإنساني، خاصة عندما انتقل من مجتمع بدائي قبلي إلى مجتمع التنظيم والفكر العقلاني. حيث لم يعد مقبولا ولا ممكنا اعتماد الأساليب التربوية التقليدية وترك الطفل يتربى عن طريق الاحتكاك بعالم الراشدين، مما تطلب إيجاد المؤسسة التعليمية، والتي سمحت لفئة «متخصصة» من الراشدين بتقديم خدمات لزبنائها قصد إعدادهم للتكيف مع البيئة الاجتماعية التي يوجدون فيها واستيعاب العناصر والأشياء والأحداث التي توفرها هذه البيئة. وبظهور المؤسسة التعليمية وانتشارها على نطاق واسع، أصبحت من أكثر المواضيع إثارة للجدل والتساؤل المستمر على مستويات متعددة، من أبرزها علاقة هذه المؤسسة بالمجتمع، أسس هذه العلاقة، ميكانيزماتها، آلياتها، آفاقها، إكراهاتها… ويعتبر ديوي ” أن المؤسسة التعليمية الحديثة تهيئ شروط ومناخ التقدم الاجتماعي، من خلال تكوين وتأهيل الأجيال الناشئة، وتفتح المجال أمامهم لبورة مشاريعهم الشخصية، سواء كانت مدرسية أو مهنية أو حياتية” (5). ويجد هذا الموقف تبريرا له في التجارب التعليمية التنموية المتعددة التي عرفتها العديد من البلدان، كدول شرق آسيا ودول شرق أوربا… التي اعتمدت بالدرجة الأولى على المؤسسات التعليمية في تأهيل الرأسمال البشري، عبر خلق الإنسان الفاعل والمبدع في عمليات التنمية والتحديث الاجتماعيين.
في مقابل هذا الاتجاه، يبرز اتجاه معاكس ساد في فترة السبعينيات لدى عدد من علماء الاجتماع الذين ينكرون قدرة المدرسة على إحداث التغيير، وعلى رأس هؤلاء نجد كلا من “باسرون” و”بيير بورديو”و”استبليت” يرى هؤلاء أن المدرسة في إطار التنشئة الاجتماعية، تعمل على إعادة  توليد المجتمع من خلال معاودة إنتاج نفس النمط الاجتماعي السائد بعلاقاته ونخبه وتراتبيته، وهي بذلك تسمح للمجتمع بالمحافظة على بنياته وتضفي الشرعية على تمايزاته، ولا سبيل، في نظرهم، لإصلاح المدرسة إلا عن طريق إحداث تغيير في بنيات المجتمع.
 وبهذافالمؤسسة التعليمية تبقى من أهم وظائفها تحقيق التقدم الاجتماعي، فحتى أولئك الذين يعتبرونها محافظة لا يرفضون وظيفتها التطويرية من خلال هامش الحرية الذي تتوفر عليه، بل إن تركيزهم على الطابع المحافظ للمؤسسة يأتي في إطار نقدي يهدف إلى تحليل ميكانيزمات وآليات اشتغال هذه المؤسسة كنسق جزئي داخل نسق اجتماعي عام. ورغم تعدد المواقف والآراء بشأن هذه المسألة، فإن المؤسسة التعليمية يمكن، بل يجب أن تكون أداة للتجديد والتطوير والتقدم الاجتماعي وصناعة المستقبل، لكنْ لا يمكن أن يتحقق لها ذلك إلا بترسيخ ذلك الوعي السياسي النقدي المطلوب لدى مختلف مكوناتها، المؤطر برؤية نسقية استراتيجية تؤمن بأهمية التربية في التنشئة والأنسنة وبدورها الحاسم في تحرير طاقات الأفراد والجماعات وتحقيق التوازن المطلوب بين حاجيات الفرد وحاجيات المجتمع، في أفق تجسيد التماسك والتضامن والاستمرارية لهذا الأخير.
المؤسسة الاقتصادية:
الاقتصاد كمؤسسة اجتماعية هو مجال منظم من الاهداف و القيم و المعايير وانماط السلوك المستمرة والتي تهدف الى ضمان البقاء المادي للمجتمع من خلال انتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات. بينما يركز علماء الاقتصاد على الاليات المعقدة للنظم الاقتصادية كمعدلات التضخيم والدين الوطني… يهتم علماء الاجتماع بالعلاقات القائمة بين المقتصد او النظام الاقتصادي والمؤسسات الاجتماعية الاخرى وعلاقته ايضا بالتنظيم الاجتماعي للعمل سواء على المستوى الوطني، مثل تأثير الشركات متعددة الجنسيات على الدول النامية، او على المستوى معدلات البطالة و الرضا عن العمل.
فالمؤسسة الاقتصادية هي اندماج عدة عوامل بهدف إنتاج أو تبادل السلع و الخدمات مع الأعوان الاقتصاديين الآخرين و هذا في اطار قانوني و مالي و اجتماعي تختلف نسبيا و مكانيا تبعا لمكان وجود المؤسسة و حجم و نوع النشاط الذي تقوم بهو يتم إندماج لعوامل الإنتاج بواسطة التدفقات النقدية الحقيقية (سلع و خدمات) و أخرى عينية وكل منها يرتبط إرتباطا وثيقا بالأفراد حيث تتمثل الأولى في الوسائل و المواردالمستعملة في التسيير و المراقبة.
والمؤسسات الإقتصادية المختلفة التي نراها في الواقع لم تظهر بأشكالها الحالية من أول مرة بل كان ذلك لعدة تغيرات و تطورات متواصلة و متوازية مع التطورات التي شهدتها النظم الإقتصادية و الإجتماعية والحضارات البشرية منذ أن تمكن الإنسان من الإستقرار و تحضير حاجاته و نظرا لما
للمؤسسة من أهمية و دور في النشاط الإقتصادي للمجتمعات فإنه يجدر بنا الإطلاع على تطوراتها ضمن المجتمع إبتداءا من الإنتاج الأسري البسيط لغاية ظهور التكتلات و الشركات المتعددة الجنسيات.
فقد تطورت النظم الاقتصادية عبر ثلاثة مراحل: المقتصد البدائي أي ما قبل الصناعة، حيث يقوم العمال فيه بأنشطة اولية كاستخلاص المواد الاولية و الموارد الطبيعية من البيئة، ويتم توزيع السلع الفائضة من خلال التبادل. والمرحلة الثانية هي المقتصد الصناعي، وهنا بتقدم المستوى التكنولوجي يبدا العمال فيه في الانتاج الصناعي الذي يشمل معاملة المواد الخام الطبيعية وتحويلها الى سلع نهائية، كما يباع فيه عنصر العمل بدلا من مجرد العمل الشخصي او العمل من اجل الاسرة. ويتسم العمل في الاقتصاد الصناعي بتخصص العمل وتكراريته والانتاج المتسع كبير الحجم، ويتحول النشاط الاقتصادي الى نظام بيروقراطي معقد. اما المرحلة الثالثة فهي المقتصد ما بعد الصناعة: وهو يعتمد على الانتاج الوسطي الذي يركز على امداد الخدمات وتوفيرها، وهو يعتمد على المهارة الفنية ومستويات التعليم والتدريب العالية.
وتنحصر النظم الاقتصادية المعاصرة من الناحية النظرية في اثنين: الرأسمالية و الاشتراكية. فالرأسمالية تتميز بالملكية الخاصة لوسائل الانتاج والممتلكات والموارد الطبيعية، والسعي نحو المكاسب الشخصية وتعظيم المكاسب الفردية واحتكار القلة، حيث يمكن لشركات قليلة ان تتحكم في الصناعة بأكملها. اما الاشتراكية فتتميز بالملكية العامة لوسائل الانتاج المملوكة للجماعة او الدولة. فهي جماعية الاهداف مع احلال المساواة في اتخاذ القرارات و العمل من اجل الصالح العام. تتميز الاشتراكية عن الرأسمالية بزيادة العدالة الاقتصادية، في حين ان الرأسمالية تتميز بزيادة الانتاجية الاقتصادية.
والأهمية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية يكمن حصرها فيما يلي:        
– توفير الشغل : إن إنشاء مؤسسات إقتصادية يعمل على توفير مناصب الشغل وهذا سمح بامتصاص البطالة من المجتمع المعني و تختلف نسبة توفير الشغل حسب حجم المؤسسة و نوع النشاط الذي تنشط فيه و كذا التكنولوجيا المتبعة في هذهالمؤسسة. – التأثير على الأجور : للمؤسسة دور هام في تحديد الأجور وبقوة استقطابها لليد العاملة إلى المناطق النائية أوقصد تحويل العمال نحو قطاع معين قصد تنميته و تطويره. – دفع عجلة التغيير: إن ظهور مؤسسات إقتصادية في جهات ريفية أو مناطق تتأثر بتخلف عمراني تعمل على التغيير و ذلك بإنشاء مساكن للعمال و إعداد الطرق ، والمرافق العامة كما تقوم ببناء المدارس و المستشفيات و قد يؤدي ذلك إلى ظهور تجمعات سكانية أو مدن جديدة و هذا ما يمكن ملاحظته غالبا ، وكمثال واقعي على هذا ظهور مدن جديدة بعد أن تكونت مركبات صناعية.
اما الأهمية الإقتصادية: بالإضافة إلى الآثار الإجتماعية التي سبق ذكرها للمؤسسة أهمية إقتصادية تمكنها من تغيير وجهة الإقتصاد الوطني و التي تكمن فيما يلي: – ظهور منشآت تجارية جديدة : بحيث إن زيادة عدد السكان في منطقة أو مدينة مما يؤدي إلى ظهور مؤسسة أو مجموعة من المؤسسات الإقتصادية الجديدة و بالتالي ضرورة القيام بإعداد منشأة تجارية جديدة لتلبية حاجات العمال الجدد وتلبية مختلف مرافق الحياة الضرورية ولهذا تظهر الأهمية المتمثلة فيظهور ودفع حركة تنموية فيالمؤسسات. – التأثير على الإستهلاك: إن سياسات البيع و الديوان التي تتبعها المؤسسة تؤثر على إستهلاك المجتمع، فزيادة المبيعات و تنوعها تؤدي إلى المنافسة و بالتالي إنخفاض الأسعار مع التنوع في السلع المعروضة وهذا ما يفيد الطبقة العاملة من خلال هذه العناصر تظهر لنا أهمية المؤسسات الإقتصادية كما أن هذه الأخيرة سواء كانت عمومية أو خاصة تسعى من خلال القيام بنشاطها إلى تحقيق أهداف و التي درست سابقا.
اذن يمكن إعتبار المؤسسة الاقتصادية عميل اقتصادي يقوم بنشاط اقتصادي ذات طابع صناعي أو تجاري أو خدماتي و بالتالي هيكل عضوي متكامل مكون من مجموعة عناصر مادية و بشرية (مستخدمين و مصالح و وحدات أقسام ) تترابط مع بعضها البعض بشكل متكامل لتشكيل هيكل إقتصادي و منه فإن المؤسسة نظام متكامل مشكل من مجموعة العناصر ذات التأثير المتبادل. وان المؤسسة الإقتصادية هي إندماج عدة عوامل بهدف إنتاج أو تبادل السلع و الخدمات مع الأعوان الإقتصاديين الآخرين و هذا في اطار قانوني ومالي و إجتماعي تختلف نسبيا و مكانيا تبعا لمكان وجود المؤسسة و حجم و نوع النشاط الذي تقوم بهو يتم إندماج لعوامل الإنتاج بواسطة التدفقات النقدية الحقيقية (سلع و خدمات) و أخرى عينية وكل منها يرتبط إرتباطا وثيقا بالأفراد حيث تتمثل الأولى في الوسائل والموارد المستعملة في التسيير و المراقبة. كما ان المؤسسة الاقتصادية هي جميع أشكال المنظمات الإقتصادية المستقلة ماليا، هدفها توفير الإنتاج لغرض التسويق ، وهي منظمة و مجهزة بكيفية توزع فيها المهام و المسؤوليات و يمكن أن تعرف بأنها وحدة إقتصادية تتجمع فيها الموارد البشرية و المادية اللازمة للإنتاج الاقتصادي.
     اذن يقصد “بالمؤسسة الاجتماعية” : هي كل تجمّع اجتماعي اقتصادي منتج يخضع لإشراف الدولة أو إحدى قطاعاتها أو لأحدى الجهات الخاصة حيث يضم ذلك التجمّع جهاز بشري متخصص الوظائف متعدد الأعمار والفئات والطبقات الاجتماعية إضافة لإمكانات اقتصادية ومتطلبات مادية وإدارة ناجحة وإشراف دقيق على مفاصل العمل والإنتاج ضمن تلك المؤسسة.
إن الاحتياج إلى المؤسسات يزداد، كلما توسع المجتمع، أو تقدم ، و كلما زادت العلاقة زادة المشاكل، مما يحتاج إلى حلول كثيرة، هذا من جهة زيادة الكم ـ في المجتمع ـ وأما من جهة زيادة الكيف، بأن تقدم المجتمع تدخّل أشياء جديدة ـ علمية أو عملية ـ في حياة الإنسان، تكثر العلاقة أيضاً، ومع كثرتها تحتاج إلى كثرة الحلول. وحيث أن الحياة مرتبطة بعضها ببعض، كذلك يكون حال المؤسسات.
وكلما كانت المؤسسات أكثر في المجتمع، كان أنفع لناس و للمجتمع؛ لكن بشرط أن لا تسبب الكثرة في ضياع الإنتاج….وقد يكون ترابط المؤسسات مع بعضها البعض عامل لبنائها وتطورها فإذا حصل تغيير في مؤسسة اجتماعية ما، تأثرت سائر المؤسسات بذلك التغيير قليلاً أو كثيراً حسب نوع وقوة الترابط بينها وأيضا قد يكون هذا الترابط نفسه عامل هدم لإحداهما أو لكليهما معا – للأسف الشديد- فإن الانفصام في المؤسسات يولد الانفصام في المجتمع يولد الانفصام الاجتماعي. والمطلوب هو الترابط والترابط الايجابي مع بعضها البعض في حركة متوازنة وبسرعة ثابتة.
وأخيراً اللازم في المؤسسة الاجتماعية أن يكون أكبر قدر من التنسيق والمودة بين أعضاء المؤسسة، وإلا أضر عدم التنسيق بالعمل وتقدمه من ناحية، وانفض الناس من حولها بسبب إظهار الأعضاء نقائص الآخرين أمام المجتمع مما يسبب سحب المجتمع ثقتهم عن المؤسسة.
وخلاصة القول أن وجود مؤسسات في أي مجتمع مدني هو دليل على وعي ذلك المجتمع والعكس صحيح.
بعض المصادر المعتمدة:
  • Turner Jonathan. The Institutional Order ,New York: Longman, 1997.
  • :أحمد جميل حمودي،الحوار المتمدن-العدد: 2327 – 2008 / 6 / 29 – 09:35
  • : سناء الخولي ، الاسرة في عالم متغير، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر،1974.
(4): جون ديوي. “المدرسة و المجتمع”، ترجمة أحمد حسن الرحيم، دار مكتبة الحياة، بيروت، الطبعة 2 ، 1978
(5) : جامع محمد نبيل، التنمية في خدمة الامن القومي: الطاقة البشرية و الطاقة النووية في الميزان، الاسكندرية، منشاة المعارف،2000

مدخل الى علم الاجتماع السياسي

علم الاجتماع السياسي

    لم تتبلور العلوم السياسية (Sciences Politiques) إلا في آواخر القرن التاسع عشر الميلادي، بإنشاء المدرسة الحرة في العلوم السياسية في باريس عام1872م، ومدرسة لندن لعلم الاقتصاد والسياسة. وبعد ذلك، ازدهر هذا العلم في جامعات أوروبا بصفة عامة، وجامعات أمريكا بصفة خاصة.
أما علم الاجتماع السياسي (Sociologie politique)، فلم يظهر إلا في فترة متأخرة مقارنة بالعلوم السياسية، وبالضبط في أواخر النصف الأول من القرن العشرين (1945م).
ولكن ثمة كتابات ومؤلفات قديمة تتضمن قرائن ومؤشرات وعلامات دالة على وجود علم الاجتماع السياسي، بطريقة من الطرائق، كما يبدو ذلك جليا عند أفلاطون في كتابه (الجمهورية)، وأرسطو في كتابه (السياسة)؛ وكذلك عند المثقفين العرب الذين اهتموا بالكتابات السلطانية أو بمبادىء السياسية الشرعية، أمثال: أحمد بن عبد الله الأصبهاني في كتابه (تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة)، والقلقشندي في كتابه (مآثر الإناقة في معالم الخلافة)، وابن أبي الربيع في كتابه (سلوك المالك في تدبير الممالك)، وخليل بن شاهين الظاهري في كتابه (كتاب زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك)، والجويني في كتابه (غياث الأمم في التياث الظلم)، والماروردي في كتابيه: (الأحكام السلطانية والولايات الدينية) و(قوانين الوزارة وسياسة الملك)، وأبو يعلى الفراء في كتابه (الأحكام السلطانية)، والقنوجي في كتابه (إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة)، وابن الأزرق في كتابه (بدائع السلك في طبائع الملك)، والغزالي في كتابه (فضائح الباطنية)[1]، إلى جانب كتابات كل من: الفارابي، وابن سينا، وابن طفيل، والبيروني، وإخوان الصفا، وغيرهم...
وثمة مفكرون غربيون آخرون تناولوا علاقة السياسة بالمجتمع، أمثال: سانت أوغيسطين صاحب كتاب (مدينة الله)، وميكيافيلي في كتابه (الأمير)، وجيامباتيستيا فيكو في كتابه (العلم الجديد)، ومونتيسكيو في كتابه (روح القوانين)، وطوماس هوبز في كتابه (التنين)، وجون لوك في كتابه (المختصر في الحكومة المدنية)، وسبينوزا في كتابه (المختصر السياسي)...
وعلى الرغم من ذلك، لم يتبلور علم الاجتماع السياسي، على الصعيد الأكاديمي والعلمي والمؤسساتي، إلا في منتصف القرن العشرين، إلا أنه يتداخل كثيرا مع العلوم السياسية إلى درجة يصعب التفريق بينهما[2]، لاشتراكهما في كثير من المواضيع الاجتماعية والسياسية، مثل: الدولة، والأنظمة التمثيلية، والدستور، والنخبة، والحزب، والنقابة، وجماعات الضغط، والرأي العام، والمنظمات الاجتماعية والسياسية... وفي هذا، يقول موريس دوفرجيه (Maurice Duverger) في كتابه (علم اجتماع السياسة):" إن مفردات علم السياسية وعلم الاجتماع السياسي مترادفة تقريبا. ففي الكثير من الجامعات الأمريكية يتحدثون عن القضايا نفسها في علم السياسة عندما تعالج في إطار قسم علم السياسة، وفي علم الاجتماع السياسي عندما تعالج في إطار قسم علم الاجتماع.أما في فرنسا، فإن تعبير علم الاجتماع السياسي يسجل غالبا قطيعة مع المناهج القانونية أو الفلسفية التي هيمنت طويلا على علم السياسة، وإرادة تحليل بواسطة مناهج أكثر علمية.هذه الفوارق ليس لها أهمية عملية. "[3]
ومن هنا، فعلم السياسية هو علم عام وأوسع للظواهر السياسية، يدرسها ضمن مجالات متداخلة ومتعددة: قانونية، وتاريخية، وجغرافية، وديمغرافية، واقتصادية.... في حين، يدرس علم الاجتماع السياسي تلك الظواهر السياسية في ضوء علم الاجتماع فقط، أو في ضوء علم معين أو مقترب منهجي محدد بدقة هو المقترب السوسيولوجي.

المطلب الأول: تعريف علم الاجتماع السياسي
إذا كان علم السياسية يبدأ موضوعه بدراسة الدولة، وكيف تمارس تأثيراتها في المجتمع، فإن علم الاجتماع السياسي يبدأ بدراسة المجتمع، وكيف يؤثر ذلك في الدولة، أو يدرس العلاقة الموجودة بين المواطنين والدولة ومؤسساتها، أو يدرس العلاقة التي تجمع الرعية بالراعي، أو يدرس أشكال الهيمنة التي يمارسها الأفراد ضد الجماعات الإنسانية . ويعني هذا أن علم الاجتماع السياسي يدرس الظاهرة السياسية في حضن المجتمع، ويبين مختلف التأثيرات التي يمارسها المجتمع في الفعل السياسي. ثم تفسير الظواهر السياسية في ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية والحضارية...
وإذا كان علم السياسية يدرس الدولة أو السلطة السياسية[4]، فإن علم الاجتماع السياسي يبرز السياق الاجتماعي للظواهر السياسية[5]. وبتعبير آخر، يدرس القضايا والمشاكل والمواضيع والعلاقات الاجتماعية المؤثرة ذات الطبيعة السياسية، وخاصة ما يتعلق بالإيدولوجيات، وقوى الضغط، والأحزاب السياسية، والنقابات، والنخب، والانتخابات. وهنا،يمكن الحديث أيضا عن سوسيولوجيا التصويت أو الانتخاب أوالاقتراع.
وإذا كان علم السياسة هو علم الدولة أو السلطة السياسية أودراسة النظم السياسية، فإن علم الاجتماع السياسي هو الذي يدرس الظواهر السياسية في ضوء المجتمع، أو المجتمعات الصغيرة والكبيرة، أو في ضوء المقاربة الاجتماعية أو علم الاجتماع.
وعليه، يمكن القول بأن علم الاجتماع السياسي هو الذي يدرس النظام السياسي أو النظم السياسية وتأثيرها في المجتمع. و" المقصود بالنظام السياسي دراسة ظاهرة القوة وتوزعها في المجتمع، سواء أكان هذا المجتمع قبيلة أم دولة قومية أم إمبراطورية أم أي نمط اجتماعي آخر، بالإضافة إلى العلاقة التي تربط بشكل مباشر بعملية تحديد هذه القوة.[6]"
وعلى أي حال، فعلم الاجتماع السياسي هو علم الدولة من جهة أولى، وعلم السلطة والقوة والنفوذ من جهة ثانية، وعلم النظم السياسية من جهة ثالثة.

المطلب الثاني: مواضيعه، ومفاهيمه، ورواده
يستند علم الاجتماع السياسي إلى عدة مواضيع سياسية لها علاقة بالمجتمع تأثيرا وتأثرا، مثل: موضوع القوة، وموضوع السلطة، وموضوع الدولة، وموضوع التطرف، وموضوع العنف، وموضوع الثورة، وموضوع الإرهاب، وموضوع التنشئة الاجتماعية، وموضوع العولمة، وموضوع الديمقراطية، وموضوع النخبة أو الصفوة، وموضوع المشاركة السياسية، وموضوع التنمية السياسية، وموضوع الإيديولوجيات، وموضوع جماعات الضغط، وموضوع النقابات، وموضوع الدستور، وموضوع طبيعة الحكم، وموضوع الانتخابات...
وعليه، يمكن القول بأن السوسيولوجيا السياسية المعاصرة ترتكز على أربعة مواضيع محورية هي:
- دراسة النشأة السوسيوسياسية للدولة المعاصرة؛
- تحليل موضوع الهيمنة أو الحكم، والتوقف عند اللامساواة الاجتماعية الموجودة بين الطبقات، والفئات، والنخب، والأعراق، والإثنيات،...وتأثيرها في مجال السياسية؛
- تبيان الأدوار التي تقوم بها الشخصيات العامة والحركات الاجتماعية والمنظمات في ميدان السياسية؛
- استكشاف علاقات الهيمنة والخضوع داخل المجموعات المجتمعية.
وعلى العموم، يمكن التوقف كذلك عند بعض القضايا الأساسية الأخرى التي يهتم بها علم الاجتماع السياسي، مثل:
- أنواع النظم السياسية: ودراستها من وجهة النظر السوسيولوجية (الأنظمة الديمقراطية، والأنظمة الدكتاتورية، والأنظمة الأوليغارشية، والأنظمة الملكية، والأنظمة الجمهورية، والأنظمة الليبرالية، والأنظمة الاشتراكية، والأنظمة الدينية، والأنظمة المستبدة، والدول البسيطة، والدول المركبة، والدول الموحدة، والدول الفيدرالية (الاتحادية)...).
ومن الذين اهتموا بتصنيف الدول والأنظمة السياسية نستحضر، على سبيل التمثيل، أفلاطون الذي صنف أنظمة الحكم، في كتابه (الجمهورية) إلى ثلاثة: الدولة المثالية (الجمهورية)، والدولة الديمقراطية، والدولة الأوليغارشية. وتبعه في ذلك تلميذه أرسطو الذي قسم الدول، في كتابه (السياسة)، إلى ستة أصناف: ثلاثة تحترم القانون وتتقيد به، وثلاثة لا تلتزم بالقانون، ومنها حكم الأوليغارشية. ومن ثم، فالأوليغارشية عند أرسطو هي حكومة الأثرياء ؛ لأنها تتمتع بسلطة المال والثروة والجاه والملكية الخاصة. وكذلك ابن خلدون الذي صنف الحكم إلى أنواع ثلاثة:
- الملك الطبيعي: وهو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة. وتشترك فيه جميع الأمم والشعوب التي لايستند فيها الحكام لا إلى سياسة عقلية ولا إلى سياسة شرعية، مثل: الأنظمة المستبدة والأنظمة التيوقراطية؛
- الملك السياسي: وهو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية، ودفع المضار. وقد عرف هذا النوع عند الفرس الذين كانوا يعتمدون فيه على قوانين سياسية مفروضة من العقلاء والحكماء وأكابرالدولة وزعمائها؛
- الخلافة: وهي الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها ... فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا[7] . وينطبق هذا على نظام الإسلام، قبل أن يتحول إلى نظام وراثي أو حكم ملكي وسلطاني أو حكم قائم على العصبية والشوكة[8].
ومن جهة أخرى، يمكن الحديث عن هربرت سبنسر الذي ميز بين الدول الصناعية والدول العسكرية. ويمكن التوقف كذلك عند كارل ماركس الذي ميز بين مجموعة من الأنظمة السياسية المتتابعة، ضمن التصور المادي الجدلي، وحصرها في مجموعة من المجتمعات هي: المجتمع المشاعي، والمجتمع العبودي، والمجتمع الإقطاعي، والمجتمع البورجوازي، والمجتمع الاشتراكي، والمجتمع الشيوعي.
- الدولة والنظام السياسي: ويعني هذاتبيان علاقة النظام السياسي بالبنية الاجتماعية والاقتصادية، واستقراء المشاركة السياسية من خلال التنظيمات والنظم المختلفة لهذه المشاركة، ثم التوقف عند التغير السياسي من جهة، والصراع السياسي من جهة أخرى.وبتعبير آخر،   تعريف النشاطات السياسية، " بوصفها الصراع على القوة بين الأفراد والجماعات في ارتباطهم بمصالحهم الخاصة، الصراع من ناحية، وبالتنظيمات العامة للحياة الجمعية من ناحية أخرى، هذا الصراع الذي يجري في كل مجتمع إنساني، وبهذا المعنى يكون لكل مجتمع نظامه السياسي الذي ينطوي على مجموعة من القواعد والممارسات التي قد تكون غير رسمية أو غير محددة تحديدا دقيقا، لكنها تشكل الإطار العام الذي تجري فيه الصراعات والمواجهات بين الناس والجماعات الاجتماعية.
لكن القول بأن كل مجتمع له نظام سياسي بالمعنى المحدد في الفقرة السابقة لايعني إطلاقا أن كل مجتمع له دولة .بمعنى أن يكون لها جهاز سياسي منفصل ومتميز، فقد وجدت مجتمعات لم تعرف الدولة كجهاز مستقل، كانت تربط فيها الصراعات السياسية والقرارات السياسية بالعلاقات القرابية أو التصورات الدينية والطقوس، وحيث يشارك جميع أعضاء المجتمع في النشاط السياسي والقرار السياسي، بدون وجود أي جماعة متخصصة ومتفرغة لهذا النشاط (الدولة)."[9]
ومن جهة أخرى، ينبني علم الاجتماع السياسي على مجموعة من المفاهيم النظرية والتطبيقية، مثل: مفهوم القوة، ومفهوم السلطة، ومفهوم العنف، ومفهوم الثورة، ومفهوم السيطرة، ومفهوم النفوذ، ومفهوم الضغط، ومفهوم النخبة...
أما فيما يتعلق برواد علم الاجتماع السياسي، فلابد من استحضار البعض منهم، أمثال: جورج يلينيك (Georges Jellinick)، ومرسيل بريلو(Marcel Prélot)، وجان دابان Jean Dabin))، وجورج دافي(Georges Davy)، وصولتو(R.M.Soltau)، وألفرد دي غراسيا (Alfred de Gracia)، وماكس فيبر (Max Weber)، وريمون آرون (R.Aron)، وهارولد لاسويل(H.Lasswell)، وروبير دال(R.Dahl)، وجورج بوردو (G.Burdeau)، وموريس دوفيرجيه (Maurice Duverger)[10]، وفيليب برو (P.Braud)[11]، ولاغروي (Lagroye) [12]...

المطلب الثالث: منهج علم الاجتماع السياسي
يستند علم الاجتماع السياسي إلى جمع الوقائع والمعطيات والبيانات حول ظاهرة سياسية واقعية ما، لها علاقة وثيقة بالمجتمع تأثيرا وتأثرا. وبعد ذلك، لابد من تمثل الملاحظة العلمية المباشرة الموضوعية، ثم استجماع الأفكار حول ذلك الموضوع، وتحويلها إلى فرضية أساسية، وتفريعها إلى أسئلة وإشكاليات وعناوين ووضعيات معقدة بغية الإجابة عنها. ويعني هذا أن علم الاجتماع السياسي يستلزم التحليل الاستقرائي الشامل، واستخدام التجريب الاستقصائي الكلي أو الجزئي، وتوظيف لغة حجاجية وبرهانية واستدلالية منطقية، والاستعانة أيضا بمنهجية إما استقرائية تنطلق من الخاص والجزء إلى الكل والعام، وإما استنباطية تنطلق من العام والكل إلى الخاص والجزء. ويمكن كذلك توظيف المناهج الكمية القائمة على الإحصاء من جهة، أو المناهج الكيفية القائمة على دراسة المضمون، ودراسة الحالة، والمقابلة، والمعايشة من جهة أخرى. والهدف من ذلك كله هو تصنيف المعطيات ونمذجتها، ومعالجتها إحصائيا ورياضيا إما بطريقة وصفية، وإما بطريقة استنتاجية. دون أن ننسى سبر الرأي، والتحقيق الميداني، وتثبيت الوقائع والتأكد منها، وتكوين معرفة سوسيولوجية عميقة وميدانية حول الظواهر السياسية المطروحة للبحث والتحليل والنقاش، واستخلاص القوانين، وتجريد النظريات، وتعميمها بشكل كوني وعالمي.
ومن ناحية أخرى، يمكن تتبع الظاهرة السياسية، في بعدها الاجتماعي، عبر خطوات منهجية متكاملة تتمثل في: الفهم، والتفسير، والتأويل. ويعني هذا أن دراسة الموضوع السياسي، من الوجهة السوسيولوجية، لابد أن تتعدى مفهوم الوصف والملاحظة والتصنيف والنمذجة وفهم المعطيات والبيانات إلى تفسيرها وفق مبدإ العلية أو السببية، بربط الموضوع السياسي المجتمعي بعوامله الداخلية أو الخارجية. وبعد ذلك، لابد من استعمال آليات التأويل الذاتي أو المرجعي أو الإيديولوجي[13].

المطلب الرابع: تصورات نظرية حول علم الاجتماع السياسي
هناك مجموعة من التصورات النظرية المتعلقة بعلم الاجتماع السياسي، ويمكن أن نتوقف عند بعضها بالدراسة والتحليل والفحص على الوجه التالي:

الفرع الأول: ابن خلدون المؤسس الأول لعلم الاجتماع السياسي
يعد ابن خلدون المؤسس الأول لعلم الاجتماع السياسي؛ والدليل على ذلك أنه تناول في كتابه (المقدمة) معظم الظواهر الاجتماعية التي ترتكز عليها السوسيولوجيا، ولاسيما الظواهر السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتاريخية، والدينية، والثقافية، والعلمية، والتربوية. ويعني هذا أن كتاب المقدمة يتضمن مجموعة من فروع علم الاجتماع العام، مثل: قواعد المنهج في علم الاجتماع، وعلم الاجتماع الريفي، وعلم الاجتماع السياسي، وعلم الاجتماع الحضري، وعلم الاجتماع الاقتصادي، وعلم اجتماع المعرفة [14].
ويكفيه فخرا أنه أرسى دعائم علم الاجتماع السياسي تصورا وتطبيقا، حينما قدم تفسيرات عمرانية لنشأة الدولة، بالتركيز على العصبية والعقيدة، وتحديد أطوار الدولة وعمرها الزمني والسياسي، مع التفصل في طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تجمع بين الراعي والرعية...
هذا، ومن " الأفكار الأساسية التي تعد من خصائص الفكر الخلدوني هو نظريته السياسية، وكيفية تغير أشكال السلطة وممارساتها وآثار ذلك على مسيرة المجتمع وعملية تطورها، من خلال طبيعة العلاقة السائدة بين الحاكم والشعب(الرعية).وكيف يتحول النظام السياسي من المشاركة والتعاون بين جملة الناس، إلى انفراد أحدهم بالحكم والرأي والسلطة، رابطا كل ذلك بعمليات التحول التي تصيب المجتمع خلال أطواره المختلفة[15]."
ويبدو اهتمام ابن خلدون بعلم الاجتماع السياسي واضحا وجليا في كتابه (المقدمة)، وخاصة عندما يدرس الدولة السياسية وتشكلها، ضمن مقترب فلسفي واجتماعي، كما يبدو ذلك جليا في نصه هذا:" اعلم أن الدولة تنتقل في أطوار مختلفة وحالات متجددة ويكتسب القائمون بها فيكل طور خلقاً من أحوال ذلك الطور لا يكون مثله في الطور الآخر لأن الخلق تابعبالطبع لمزاج الحال الذي هو فيه وحالات الدولة وأطوارها لا تعدو في الغالب خمسةأطوار. الطور الأول طور الظفر بالبغية وغلب المدافع والممانع والاستيلاء علىالملك وانتزاعه من أيدي الدولة في هذا الطور أسوة قومه في اكتساب المجد وجبايةالمال والمدافعة عن الحوزة والحماية لا ينفرد دونهم بشيء لأن ذلك هو مقتضىالعصبية التي وقع بها الغلب وهي لم تزل بعد بحالها. الطور الثاني طور الاستبدادعلى قومه والانفراد دونهم بالملك وكبحهم عن التطاول للمساهمة والمشاركة ويكونصاحب الدولة في هذا الطور معنياً باصطناع الرجال واتخاذ الموالى والصنائع والاستكثار من ذلك لجدع الموت أهل عصبيته وعشيرته المقاسمين له في نسبة الضاربين فيالملك بمثل سهمه فهو يدافعهم عن الأمر ويصدهم عن موارده ويردهم على أعقابهم، أنيخلصوا إليه حتى يقر الأمر في نصابه ويفرد أهل بيته بما يبني من مجده فيعانى منمدافعتهم ومغالبتهم مثل ما عاناه الأولون في طلب الأمر أو أشد لأن الأولين دافعواالأجانب فكان ظهراؤهم على مدافعتهم أهل العصبية بأجمعهم وهذا يدافع الأقارب لايظاهره على مدافعتهم إلا الأقل من الأباعد فيركب صعباً من الأمر. الطور الثالث طورالفراغ والدعة لتحصيل ثمرات الملك مما تنزع طباع البشر إليه من تحصيل المال وتخليد الآثار وبعد الصيت فيستفرغ وسعه في الجباية وضبط الدخل والخرج وإحصاءالنفقات والقصد فيها وتشييد المباني الحافلة والمصانع العظيمة والأمصار المتسعةو الهياكل المرتفعة وإجازة الوفود من أشراف الأمم ووجوه القبائل وبث المعروف فيأهله هذا مع التوسعة على صنائعه وحاشيته في أحوالهم بالمال والجاه واعتراض جنودهو إدرار أرزاقهم وإنصافهم في أعطياتهم لكل هلال حتى يظهر أثر ذلك عليهم في ملابسهمو شكثهم وشاراتهم يوم الزينة فيباهي بهم الدول المسالمة ويرهب الدول المحاربة وهذا الطور آخر أطوار الاستبداد من أصحاب الدولة لأنهم في هذه الأطوار كلها مستقلونبآرائهم بانون لعزهم موضحون الطرق لمن بعدهم. طور القنوع والمسالمة ويكون صاحبالدولة في هذا قانعاً بما بنى أولوه سلماً لأنظاره من الملوك وأقتاله مقلداًللماضين من سلفه فيتبع آثارهم حذو النعل بالنعل ويقتفي طرقهم بأحسن مناهج الاقتداءو يرى أن في الخروج عن تقليدهم فساد أمره وأنهم أبصر بما بنوا من مجده. الطورالخامس طور الإسراف والتبذير ويكون صاحب الدولة في هذا الطور متلفاً لما جمعأولوه في سبيل الشهوات والملاذ والكرم على بطانته وفي مجالسه واصطناع أخدانالسوء وخضراء الدمن وتقليدهم عظيمات الأمور التي لا يستقلون بحملها ولا يعرفونما يأتون منها يذرون منها مستفسداً لكبار الأولياء من قومه وصنائع سلفه حتىيضطغنوا عليه ويتخاذلوا عن نصرته مضيعاً من جنده بما أنفق من أعطياتهم في شهواته وحجب عنهم وجه مباشرته وتفقده فيكون مخرباً لما كان سلفه يؤسسون وهادماً لما كانوايبنون وفي هذا الطور تحصل في الدولة طبيعة الهرم ويستولي عليها المرض المزمن الذيلا تكاد تخلص منه ولا يكون لها معه برء إلى أن تنقرض كما نبينه في الأحوال التينسردها والله خير الوارثين."[16]
وهكذا، يتبين لنا أن ابن خلدون قد وضع الأسس الأولى لعلم الاجتماع السياسي نظرية وتطبيقا وتأملا واستقراء، وإن كانت تصوراته، في بعض الأحيان، لايمكن تطبيقها على سائر الدول الأخرى .

الفرع الثاني: ماكس فيبر
يعد ماكس فيبر مؤسس علم اجتماع السياسة.ومن ثم، تعني السوسيولوجيا السياسية إما علم الدولة أو علم السلطة .بيد أن علم الاجتماع السياسي عند ماكس فيبر يقصد به علم السلطة والحكومة والولاية والقيادة في كل المجتمعات وفي كل المجموعات البشرية، وليس فقط في المجتمع القومي[17]. لذا، تنبني السوسيولوجيا السياسية عند ماكس فيبر على مجموعة من التصورات النظرية التي يمكن تحديدها في الأفكار التالية:

البند الأول: العنف المشروع أو المبرر
يقصد بالسياسة عند ماكس فيبر الدولة أو التجمع السياسي أو تلك التأثيرات التي تمارسها الدولة في الأفراد أو ما يمارس ضدها من تأثير. ومن ثم، يرى فيبر أن الدولة تتميز بالقوة والعنف وتمارس ما يسمى بمشروعية العنف. ويعني هذا أن الفرد ليس له الحق في ممارسة العنف مهما كانت قيمته الاجتماعية، ومكانته الوظيفية في المجتمع. فالدولة هي المؤسسة الوحيدة التي لها الحق في ممارسة العنف والقوة باسم القانون والتشريع والدستور. ويكون العنف المبرر - هنا- بالسجن، أو المراقبة أو معاقبة المجرم، وإصدار اللوائح القانونية التي تجرم الفعل الإجرامي الذي قام به الفاعل الاجتماعي. وفي هذا السياق، يقول ماكس فيبر :" نعني بكلمة سياسة إدارة التجمع السياسي الذي نسميه اليوم " دولة"، أو التأثير الذي يمارس على هذه الإدارة.
ولكن ماهو التجمع السياسي من وجهة نظر عالم الاجتماع؟ وما الدولة؟ لايمكن تعريف الدولة، من الناحية السوسيولوجية، بمحتوى ما تقوم به، إذ لاتوجد تقريبا أية مهمة لم يقم بها، في يوم من الأيام، تجمع سياسي ما؛ ومن جهة أخرى لاتوجد أيضا مهمات يمكن أن نقول عنها بأنها كانت في وقت ما تخص، على الأقل بصفة حصرية، التجمعات السياسية التي نسميها اليوم دولا أو التي شكلت تاريخيا أصول الدولة الحديثة.هذه الأخيرة لايمكن تعريفها سوسيولوجيا إلا بالوسيلة المميزة الخاصة بها، وأيضا بكل تجمع سياسي آخر، ألا وهو العنف الفيزيائي.قال تروتسكي يوما في بريست- ليتوفسك:" كل دولة تنبني على القوة".وهذا أكيد فعلا..إن العنف ليس بطبيعة الحال إلا الوسيلة الوحيدة للدولة، بدون شك، ولكنه وسيلتها الخاصة.وفي أيامنا هذه تعتبر العلاقة بين الدولة والعنف علاقة حميمة جدا.كانت التجمعات السياسية بمختلف أنواعها هذه تعتبر العنف الفيزيائي الوسيلة العادية للسلطة، وعلى العكس من ذلك يجب تصور الدولة المعاصرة جماعة إنسانية في حدود مجال جغرافي محدد تطالب بنجاح ولمصلحتها الخاصة باحتكار العنف الفيزيائي المشروع.وما هو بالفعل خاص بعصرنا هو أنه لايسمح للتجمعات الأخرى أو للأفراد بالحق في اللجوء إلى العنف إلا عندما تسمح بذلك الدولة: إذ تصبح هذه الأخيرة المصدر الوحيد للحق في العنف."[18]
ولايقتصر العنف على الدول الديكتاتورية والمستبدة فحسب، بل تمارسها الدولة الديمقراطية أيضا، لكن في نطاق قانوني وشرعي ودستوري؛ إذ تخول الدولة لمؤسسة الأمن أن تتدخل لحماية مرافق التجمع السياسي.
في حين، ترى جاكلين روس(J.Russ) أنه لاينبغي للدولة أن تمارس العنف، بأي شكل من الأشكال، مهما كان شرعيا أو غير شرعي، بل ينبغي أن تكون الدولة مؤسسة لضمان الحريات والقوانين والحقوق، مع الإقرار بفصل السلط، واحترام حقوق الإنسان، ونشر العدالة. وفي هذا النطاق، تقول جاكلين روس: " إن دولة الحق لاتتمثل في الصورة القانونية المجردة فحسب،بل تتمثل فيمايتجسد بقوة في مجتمعاتنا،لأن القرن العشرين يبلور نجاحها ويعبر عنه..إن دولةالحق تؤدي إلى ممارسة معقلنة لسلطة الدولة،ممارسة تتشبث بالقانون، وباحترامالحريات، كما تؤدي إلى تنظيم سياسي متوازن ينفتح على مجال الحريات العامة.لكن ماهي دولة الحق؟ إنها دولة فيها حق وفيها قانون يخضعان معا إلىمبدأ احترام الشخص، وهي صيغة قانونية تضمن الحريات الفردية، وتتمسك بالكرامةالإنسانية، وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف.... إن سلطة دولة الحقتتخذ ملامح ثلاثة: القانون، والحق،وفصل السلط،وتضمن جميعها احترام الشخص،وتسهر على تأسيس هذا الاحترام.[19]"
وعليه، فهناك تصوران متناقضان: تصور ماكس فيبر الذي يدافع عن عنف الدولة المبرر والمشروع، وتصور جاكلين روس الذي يرفض استعمال العنف، مهما كانت طبيعته وونوعيته ومصدره.

البند الثاني: أشكال السلطة والهيمنة
من المعروف أن الدولة تمارس ضد مواطنيها العنف المشروع المبرر. لذا، يخضع الناس لتلك الدولة وفق أسباب داخلية ثلاثة تبرر تلك السيطرة أوتلك الهيمنة السياسية التي تفرضها الدولة على مواطنيها:
- السبب الأول هو نفوذ الماضي، ويحيلنا هذا على العادات والتقاليد والأعراف والطقوس المقدسة التي تجعل الشيخ أو السيد الإقطاعي يسيطر على السلطة. وهنا، نتحدث عن السلطة التقليدية.
- السبب الثاني هو السحر الشخصي والإلهام الخارق.ويحيلنا هذا على الزعيم البطل أو النبي أو القائد الملهم أو الزعيم النقابي الكبير أو القيادي الحزبي المتميز والمحنك. وهنا، نتحدث عن السلطة الكاريزمية.
- والسبب الثالث هو الاحتكام إلى الشرعية. ويحيلنا هذا على السلطة الشرعية العقلانية التي تقوم على الأسس التالية: الليبرالية، والانتخاب، والاستحقاق، والعقلانية، والشرعية، والبيروقراطية، واحترام الأدوار والوظائف، كما يظهر ذلك بينا في المجتمعات الحديثة.
الاحتكام إلى الماضي
الاحتكام إلى قدرات الشخصية الخارقة
الاحتكام إلى الشرعية
السلطة التقليدية
السلطة الكاريزمية
السلطة الشرعية العقلانية

والآن، نورد قولة ماكس فيبر التي يوضح فيها هذه الأفكار:" إن الدولة، مثل كل التجمعات السياسية التي سبقتها تاريخياً، تكمن فيعلاقة سيادة الانسان على الانسان، مبنية على وسيلة العنف المشروع - أيالعنف المعتبر شرعياً -، اذ لا يمكن " للدولة " أن توجد إلا بشرط خضوعالرجال المسودين للسلطة التي يطالب بها الأسياد، وعندها تطرح الأسئلةالتاليةنفسها على بساط البحث:لأي شروط يخضعون ؟ولماذا؟ وعلى أية تبريرات داخلية، أو وسائل خارجية تستند هذه السيطرة ؟
مبدئياً، هناك ثلاثة أسباب داخلية تبرر السيطرة، ومن ثمهناك ثلاثة أسس للشرعية، أولاً: نفوذ " الأمس الأزلي ". أي: نفوذ التقاليدالمقدسة بصلاحيتها العريقة، وبعادة احترامها المتجذرة في الانسان . هذه هي " السلطة التقليدية " التي كان البطريك " الشيخ " أو السيد الاقطاعييمارسانها فيما مضى . وبالدرجة الثانية : النفوذ المبني على السحر الشخصيوالفائق لفرد ما، نفوذ يحظى بثقتهم بشخصه نظرا لما يتفرد به من صفات خارقة كالبطولة أو بميزات أخرىمثالية تجعل منه زعيماً . هذه هي السلطة الكارزمية التي كان النبي يمارسها،أو يمارسها - في المجال السياسي - الزعيم الحزبي المنتخب أوالديماغوجي الكبير أو زعيم حزب سياسي . هناك أخيراً السلطة الثالثةالتي تفرض نفسها بفضل " الشرعية "، بفضل الايمان بصلاحية وضع شرعي وكفاءةايجابية مبنية على قواعد عقلانية قائمة.وبتعابير أخرى : السلطة المبنية على الطاعة التي تؤدي الواجبات المطابقة للوضعالقائم .
هذه هي السلطة كما يمارسها " خادم " الدولةالحديثة، وكذلك كل الذينيمسكون بزمام السلطة إلى جانبه"[20].
ويعني هذا كله أن أنماط الأفعال تحيلنا إلى نمط آخر من أشكال السلطة والهيمنة السياسية التي تتمثل في الأنواع التالية:
- الهيمنة التقليدية: تنبني على شرعية الحاكم التقليدي الذي يحترم العادات والأعراف والتقاليد أثناء ممارسة سلطته السياسية، مثل: السلطة الأبوية في المجتمعات الأبيسية، وسلطة الأسياد في المجتمع الإقطاعي.
- الهيمنة الكاريزمية: تنبني على هيبة الشخص الحاكم وصورته وصفاته الخارقة(نابليون والمسيح- مثلا-).
- الهيمنة الشرعية القانونية: تتمثل في مدى احترام الحاكم لسلطة القوانين، ووصوله إلى الحكم عن جدارة واستحقاق، مثل: السلطة في التنظيمات السياسية الغربية الحديثة والمعاصرة.
طبعا، يدافع ماكس فيبر عن الفعل العقلاني الهادف، والهيمنة الشرعية القانونية، وهما أساس الليبرالية البيروقراطية العاقلة والراشدة. وفي هذا الصدد، يقول ماكس فيبر:" يتطلع كل علم إلى الحقيقة.والحقيقة التي يتطلع إليها العلم تكون إما عقلانية ورياضية ومنطقية، وإما لاعقلانية شعورية.والحقيقة العقلانية، في النشاط والفعل، هي، قبل كل شيء، فكرية وواضحة وتمام الوضوح(2+2 =4). وأما الحقيقة اللاعقلانية والشعورية، في النشاط والفعل، فهي، قبل كل شيء، وجدانية ...
إن الطريقة العلمية الفعالة لفهم لاعقلانية السلوك الشعورية، تقوم على اعتباراللاعقلانية مجرد انحراف عن عقلانية السلوك الخالصة.إن بناء العقلانية الخالصة يمثل نمطا (Type) يوضع بتصرف عالم الاجتماع، بهدف فهم حقيقة النشاط والفعل المجتمعي الذي تفعل فيه لاعقلانيات من كل الأنواع والأشكال.[21]"
وعليه، يرتبط الفعل العقلاني بالشرعية القانونية والنظام البيروقراطي. وهذه هي الأسس الحقيقية لليبرالية الرأسمالية المتقدمة والمزدهرة حسب ماكس فيبر.

الخاتمــــة
وخلاصة القول، يتبين لنا، مما سبق ذكره، أن علم الاجتماع السياسي هو علم حديث، لم يتبلور ويتشكل مؤسساتيا إلا في منتصف القرن العشرين. وبالتالي، فهو فرع من فروع علم الاجتماع العام، ويهتم بدراسة الظواهر السياسية في ضوء المقاربة الاجتماعية، بالتركيز على الدولة أو السلطة أو النظم السياسية، باتباع منهجية الفهم أوالتفسير أوالتأويل.
كما يعنى علم الاجتماع السياسي بدراسة السلطة وخصائصها وعلاقتها بالسيطرة والخضوع؛ ثم الاهتمام بالدولة من حيث بنيتها، ووظائفها، وعلاقتها بالسلطة السياسية؛ ودراسة النظم السياسية؛ والتركيز على التكيف الاجتماعي؛ ودراسة العمل الجماعي ومجموعات المصالح؛ والتوقف عند المشاركة السياسية؛ والأحزاب السياسية؛ والممثلين والحكام؛ والعمل السياسي.
ويستيعن علم الاجتماع السياسي بالمناهج الكمية من جهة، والمناهج الكيفية من جهة أخرى. كما ينبني على خطوات منهجية ثلاث تتمثل في: الفهم، والتفسير، والتأويل.
وما يهمنا في علم الاجتماع السياسي هو إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي يعانيها المجتمعات الإنسانية والبشرية اليوم، مثل: مشكلة التلوث، ومشكلة الحروب، ومشكلة التطرف، ومشكلة الإرهاب، ومشكلة التمييز العنصري، ومشكلة الفقر، ومشكلة البطالة، ومشكلة الأمية، ومشكلة التخلف، ومشكلة الاستبداد... وقد صدق محمد فايز عبد أسعيد عندما قال:"إن غاية علم الاجتماع أن يمكن الإنسان يوما من السيطرة على القوى الاجتماعية بدلا من أن يكون، كما كان حتى الآن رازحا تحت عبئها.وغايته أيضا وبنوع خاص، أن يكبح جماع النزوات الجماعية التي كثيرا ما تتلاعب بالإنسان، كما كبح غيره من العلوم جماح الصاعقة وتغلب على الجاذبية وعلى التيفوس.هذا ويتبنى علم السياسة وجهات نظر علم الاجتماع، في عالمنا الحاضر المهدد بالويلات أكثر من أي زمن مضى.إن في أوضاع البشر في القرن العشرين والحادي والعشرين مشكلة ذات شعبتين: مشكلة الصراعات وخلفياتها ومشكلة تزايد عدد السكان.ومصير البشرية متعلق بحل هاتين   المشكلتين.فإلى أين يسير عالم اليوم وعالم الغد؟ سؤال محير، لدى التاريخ والأجيال القادمة الجواب عليه."[22]
..........................
[1]- انظر: محمد محمد أمزيان: في الفقه السياسي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2001م.
[2]-Jean-Louis Cot, Jean Pierre Mounier, Pour une sociologie politique, Point Seuil, 1974, T. 1, p. 11-25.
[3]- موريس دوفرجيه: علم اجتماع السياسة، ترجمة: سليم حداد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 2001م، ص:5
[4]- محمد فايز عبد أسعيد: الأسس النظرية لعلم الاجتماع السياسي، دار الطليعة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1988م، ص:29-32.
[5]- مولود زايد الطبيب : علم الاجتماع السياسي، منشورات جامعة السابع من أبريل، الزاوية، ليبيا، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:6.
[6]- محمود عودة: أسس علم الاجتماع، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ص:238.
[7]- ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون، الجزء الأول، تحقيق علي عبد الواحد وافي، لجنة البيان العربي، القاهرة، مصر، الطبعة الثانية 1965م، ص:513.
[8]- محمد عابد الجابري: فكر ابن خلدون: العصبية والدولة، معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، الطبعة الثامنة 2007م، ص:198-199.
[9]- محمود عودة: نفسه، ص:249-250.
[10]- Maurice Duverger: Sociologie de la politique, PUF.Paris.
[11]- P.Braud :Sociologie politique, 10e edition, LGDJ, 2011
[12]- J. Lagroye, Sociologie Politique, Presses de la F.N.S.P.-Dalloz, Paris, 1991.
[13]- فيليب برو: علم الاجتماع السياسي، ترجمة: محمد عرب صاصيلا، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 2014م، صص:511-564.
[14]- حسن الساعاتي: علم الاجتماع الخلدوني، قواعد المنهج، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، طبعة 1974م، ص:63 وما بعدها.
[15]- كلثم علي الغانم وآخران: موجز تاريخ الفكر الاجتماعي، سلسلة علم الاجتماع، الكتاب الثاني، الأهالي للتوزيع، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 2001م، ص:188.
[16]- ابن خلدون: نفسه، ص: 140-141.
[17] - موريس دوفرجيه: علم اجتماع السياسة، ص:21.
[18]-Max Weber: Le savant et le politique, Plon 10/18, 1979, pp:99-101.
[19]-Jacqueline Russ: Les théories du pouvoir, Librairie Générale française, Coll. Poche, 1944, pp:90-94.
[20] - ماكس فيبر: رجل العلم ورجل السياسة، ترجمة: نادر ذكرى، عن الفلسفة الحديثة، لعبد السلام بنعبد العالي ومحمد سبيلا، دار الأمان، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1991م، ص:273.
[21] - Max Weber: Economie et société, introduction de Hinnerk Bruhns, traduction par Catherine Colliot-Thélène et Françoise Laroche, La Découverte, 1998, p:6.
[22]- محمد فايز عبد أسعيد: الأسس النظرية لعلم الاجتماع السياسي، ص:180-181.

افلام اون لاين